ذات صلة

جمع

هل يقلب “الناخب السري” لترامب موازين استطلاعات الرأي مجددًا؟

شهدت الانتخابات الأمريكية 2024 جدلاً واسعًا حول دقة استطلاعات...

كشف مزاعم تراجع الإصابات.. الكوليرا تفتك بأرواح السودانيين في ولاية الجزيرة

رغم الأحاديث الزاعمة بتراجع الإصابات، إلا أن مرض الكوليرا...

هل حقق ترامب “أعظم عودة سياسية” في تاريخ أمريكا؟.. استراتيجيات جديدة وأداء مختلف

وصفت عودةُ الميلياردير الأمريكي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض...

تونس على موعد جديد لمشروع قيس سعيد القومي.. استعدادات سياسية مكثفة لاستحقاق غير مسبوق

تشهد تونس حاليا حالة من الزخم السياسي استعدادا لانطلاق المرحلة الأخيرة في مسار 25 يوليو (تموز) 2021، الذي بدأه الرئيس قيس سعيد وقطع من خلاله الطريق على مساعي الإخوان الفاسدة بالبلاد والتي استمرت لحوالي 10 سنوات، وهي الانتخابات المحلية التي تعد استحقاقا سياسيا غير مسبوق هذه المرة.

وتعتبر هذه الانتخابات غير مسبوقة في تونس، وستجرى للمرة الأولى في 2155 دائرة انتخابية، مقارنة بالانتخابات البلدية التي جرت في 350 دائرة عام 2018، مما يتطلب كلفة مالية كبيرة واستعدادات لوجستية وبشرية مهمة، وتعقب الانتخابات المحلية الاستشارة الوطنية الإلكترونية والاستفتاء حول الدستور والانتخابات التشريعية التي أفرزت البرلمان الجديد، وهي محطات انتخابية لم تشهد إقبالاً كبيراً من التونسيين وسط مشهد سياسي تمزقه الانقسامات.

وتحتاج الانتخابات المحلية إلى تحديد دقيق للخارطة الإدارية في تونس من خلال ضبط حدود العمادات والمعتمديات، وقد أعلنت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، في ندوة صحافية عن التقسيم الترابي الجديد للبلاد التونسية، وهي الخطوة التي تهدف إلى تحديد الدوائر الانتخابية استعداداً للانتخابات المحلية، ثم التصعيد إلى المجالس الجهوية، فمجلس الأقاليم والجهات.

وقبل أشهر قليلة من خوض هذه الانتخابات الأولى من نوعها في تونس يكتنف الغموض طريقة التصعيد من المجالس المحلية إلى المجالس الجهوية، وسط تخوف من عدم إقبال التونسيين عليها، بعد الإقبال الضعيف على المشاركة في الانتخابات التشريعية التي جرت منذ أشهر.

وقال أستاذ التنظيم الإداري والمتخصص في الحوكمة المحلية محمد الضيفي، في تصريح لصحيفة “إندبندنت” البريطانية، إن “المجالس المحلية هي جماعة محلية تشبه إلى حد كبير البلدية، وسيتم انتخاب المجالس المحلية على مستوى دوائر ضيقة أي على مستوى العمادات، والعمادة هي أصغر قسم إداري في التقسيم الإداري التونسي، وترجع بالنظر إلى المعتمدية التي بدورها تعود بالنظر إلى الولاية (المحافظة)، وتُصعد كل عمادة شخصاً بالانتخاب ليمثل العمادة في المعتمدية وهو ما يكون المجلس المحلي، الذي يتشكل من المنتخَبين على مستوى العمادات التي تتبع المعتمدية المعنية”، وتساءل عن “موعد صدور القانون الأساسي المنظم للمجلس المحلي، لمعرفة حدود مهامه، وكيف سيجتمع، وكيف سيعمل، وهي مسائل تحتاج إلى التوضيح قبل إجراء الانتخابات المحلية”.

وكان يوجد في تونس 279 معتمدية أي 279 مجلساً محلياً، وكل معتمدية تصعد أحد أعضاء المجلس المحلي بالقرعة، ليكون عضواً في المجلس الجهوي، وحسب المرسوم المنظم للانتخابات المحلية فإن ممثل المعتمدية في المجلس الجهوي تدوم عضويته ثلاثة أشهر فقط، وهو ما اعتبرها الضيفي “فترة قصيرة قد لا تسمح بمشاركة فاعلة في القضايا التنموية في جهته”.

وأضاف الضيفي أن “كل ولاية تنتخب بطريقة غير مباشرة ثلاثة أعضاء يمثلون الجهة في المجلس الوطني للأقاليم والجهات، الذي سيتكون من 78 عضواً أي ثلاثة أعضاء عن كل ولاية (محافظة)، بالإضافة إلى ممثل عن كل إقليم إذا افترضنا أن عدد الأقاليم سيكون ستة، بينما لا يوجد إلى الآن تقسيم إداري واضح لعدد الأقاليم”.

وبالنظر إلى ظاهرة العزوف التي اتسمت بها المحطات الانتخابية السابقة، لم يُخف المتخصص في الحوكمة المحلية تخوفه من عدم مشاركة التونسيين في هذه المحطة الانتخابية على أهميتها، بخاصة أن الانتخابات ستجرى في الأرياف التي لا تعيرها اهتماماً كبيراً، لافتاً إلى “قيمة الغرفة الثانية في التجارب المقارنة، ومعتبراً أن التجربة التونسية في الانتخابات المحلية ستكون فريدة في حال نجاحها”.

ويعتقد الضيفي أن “الغرفة الثانية هي من أفضل ما جاء به الدستور الجديد، لأن مجلس الأقاليم والجهات سيوافق على الميزانية، وعلى مخططات التنمية وسيضمن التوازن بين الجهات، ويحد من الإجحاف الذي مس عديد المحافظات إلا أن مسار تشكيله معقد”.

بينما عبرت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات عن استعدادها لإجراء هذه المحطة الانتخابية، وقال المتحدث باسم الهيئة محمد التليلي المنصري، إن “الهيئة تعمل حالياً على التحضير لانتخابات المجالس المحلية، من خلال العمل الميداني والفني للتحديد الترابي للعمادات، وستصدر قريباً القرارات الإدارية عن وزير الداخلية للمصادقة على الخرائط الإدارية للعمادات”، لافتاً إلى “وجود تنسيق مع رئاسة الجمهورية حول الموعد ودعوة الناخبين لهذا الاستحقاق”.

وإزاء حال الانقسام التي تميز المشهد السياسي في تونس، تعارض عديد الأحزاب مشروع الرئيس سعيد، وقال القيادي في حزب الاتحاد الشعبي الجمهوري، محمد الجلاصي، في تصريحات صحافية إن “الانتخابات المحلية المنتظرة بلا أفق واضح ولا مواعيد محددة وجدية”، مشيراً إلى أن “تنظيم انتخابات محلية في الوضع السياسي الراهن والوضع الاقتصادي والاجتماعي المتأزم لن يكون لديها صدى لدى المواطن، وستشهد عزوفاً حقيقياً على غرار ما عرفته الانتخابات التشريعية”.

كما تراقب منظمات المجتمع المدني المعنية بمتابعة وتقييم العمليات الانتخابية مسار الانتخابات المحلية، وأكد عضو منظمة “مراقبون” سيف الدين العبيدي لـ”إندبندنت عربية”، “الغموض الذي يشوب عملية تحديد مواعيد المحطات الانتخابية وعدم دقة المرسوم عدد 10 الذي ينظم الانتخابات المحلية”، متسائلاً عمن سيرأس مجلس الجهات والأقاليم ومن سيرأس الإقليم والمجلس الجهوي.

ويشير العبيدي إلى “غياب نصوص تدعم ترشح المرأة والشباب في هذه المجالس، معتبراً أنه لا يمكن إدراك أهمية هذه المجالس من دون معرفة صلاحياتها وعلاقتها بالسلطة التنفيذية الجهوية وبقية مؤسسات الدولة”.

وحول عزوف التونسيين عن الانتخابات توقع سيف الدين العبيدي “تحقيق نسب المشاركة نفسها في الانتخابات السابقة لأن الإجراءات لم تتغير والسياق السياسي نفسه”، داعياً الهيئة إلى “إشراك المجتمع المدني في العملية الانتخابية وفي صياغة القرارات التي تهم الانتخابات المحلية من ذلك تحديد الخارطة الترابية والتقسيم الإداري”.

وبعد نحو أربعة أشهر من حل المجالس البلدية، التي كان يُفترض أن تنهي مدتها المحددة بخمس سنوات في مايو الماضي، سيتم قريباً تنظيم الانتخابات المحلية للمرة الأولى في تاريخ تونس بمسار يشوبه التعقيد ووسط أزمة سياسية واقتصادية واجتماعية غير مسبوقة، بينما يكون سعيد قد وصل إلى المراحل الأخيرة في إسقاط مشروعه السياسي الجديد لتونس.

spot_img