بسبب الأحداث الأمنية المتكررة في الأراضي الفلسطينية، تبادلت حركتا “حماس” و”فتح” اتهامات حادة حول مدى مشاركة كل طرف في التصدي للعملية العسكرية الإسرائيلية الأخيرة في مخيم جنين، وتنفيذ إجراءات لحماية السكان الفلسطينيين في جميع مناطق وجودهم.
وتمثل موقف السلطة الفلسطينية في وقف جميع الاتصالات واللقاءات مع الجانب الإسرائيلي وتقنين العلاقة مع الولايات المتحدة، والاستمرار في وقف التنسيق الأمني، إضافة إلى توجيه الحكومة وأجهزتها لتعزيز صمود الفلسطينيين في جميع أماكن وجودهم، إلى جانب دعوة الفصائل بما فيها “حماس” إلى اجتماع طارئ للاتفاق على رؤية وطنية لمواجهة إسرائيل.
أما حركة “حماس” فإنها أكدت من غزة، أنها كانت على رأس الفعل العسكري أثناء التصدي لعملية إسرائيل في جنين، وتبنت الوقوف وراء عملية دهس وطعن أفراد في تل أبيب، إضافة إلى أنها شاركت في إدارة القتال، وكانت مستعدة للتدخل العسكري من القطاع إذا تمادى الجيش الإسرائيلي في إجراءاته الأمنية، فيما اعتبرت أن موقف السلطة الفلسطينية ضعيف، وأنه كان يتوجب على عناصرها الانخراط في القتال، وفقاً لموقع إندبندنت البريطاني.
وقال نائب رئيس حركة “حماس” صالح العاروري: إنهم كانوا في ميدان المواجهة، ومقاتلو “القسام” عملوا مع بقية عناصر الفصائل الفلسطينية الأخرى، وفي الميدان كانت الوحدة العسكرية متحققة بشكل أفضل بكثير عن الوضع الرسمي، لافتاً إلى أن الحركة تابعت مجريات العملية العسكرية وكانت جاهزة لصد العدوان الإسرائيلي.
وأضاف العاروري تعقيباً على طلب السلطة الفلسطينية من المجتمع الدولي التدخل لحماية الفلسطينيين: “التعويل على اتفاق أوسلو والشرعية الدولية والولايات المتحدة يساوي صفراً، لأن هذه المرحلة انتهت، ولا يمكن لأحد أن يعول عليها، إلا أنه ما زال بعض منا عالقاً في التنسيق الأمني الذي يخدم إسرائيل”.
فيما قال المتحدث باسم “حماس” في غزة حازم قاسم: إن القيادة الفلسطينية في رام الله تتصرف بالطريقة نفسها مع جميع الجرائم والأحداث التي تشنها إسرائيل ضد الحركة، فهي عادة ما تتخذ قرارات بوقف التنسيق الأمني وقطع العلاقات مع تل أبيب، ومن ثَم تعود بعد أن تهدأ الأمور إلى استئناف إجراءات التعاون مع حكومة بنيامين نتنياهو.
وأشار قاسم إلى أن “القرارات التي تصدرها السلطة الفلسطينية إعلامياً لا تسمن ولا تغني من جوع”، مضيفاً “المطلوب من السلطة الفلسطينية مواقف حقيقية عملية وليست إعلامية معلنة، وأن تتخذ موقفاً واضحاً من خلال وقف حقيقي للتنسيق الأمني على الأرض، شعبنا لا يثق بقدرة السلطة على الفعل لأنها لا تتخذ أي قرارات جادة”.
ودعا المتحدث الرسمي لـ”حماس” السلطة الفلسطينية إلى وقف ملاحقة المقاتلين والإفراج عن المعتقلين السياسيين، وأن يكون هناك توجيه مباشر للأجهزة الأمنية بالانخراط مع المقاتلين في أي قتال عسكري، وأن تتخذ قيادة رام الله قراراً واضحاً بوقف جميع أشكال العلاقة مع إسرائيل.
بعد حديث قيادات “حماس” عن مشاركتها في مواجهة العملية العسكرية الإسرائيلية، والتلميح للسلطة الفلسطينية بأنها ما زالت متعلقة بـ”اتفاق أوسلو” وتعمل على تطبيق التنسيق الأمني، غضبت حركة “فتح” وشنت حملة واسعة على “الحمساويين” تخللتها اتهامات.
وقال عضو المجلس الثوري لحركة “فتح” حافظ البرغوثي: إن ما تسعى إليه “حماس” في غزة التسلق على أكتاف الشهداء عبر الادعاء بأن ما جرى في جنين من صنعها، لكن في الحقيقة لم تفعل الغرفة المشتركة التي تديرها الحركة في القطاع شيئاً إلا بعض وقفات الإسناد الإعلامية كما يفعل المتضامنون الأجانب.
وأضاف البرغوثي: “حماس دائماً ما تحرف البوصلة عن القضية الرئيسة وما يعود بالفائدة على أبناء شعبنا، خدمة لأجندات شخصية وحزبية، وكان عليها أن تنسب الأفعال إلى الشعب الفلسطيني، إضافة إلى أنه يتوجب عليها احترام موقف السلطة وليس الاستهتار به”.
وبحسب البرغوثي فإن “حماس” خلال معركة جنين كانت خارج الصورة، إلا أنها روجت للعالم أنها موجودة من خلال إعلامها؛ الأمر الذي شكل إجحافاً إعلامياً بحق كوادر “فتح”، لافتاً إلى أن قيادة الحركة أقروا بتخاذلهم تجاه جنين بتذرعهم أنهم يراقبون الوضع عن كثب وعندما تتجاوز إسرائيل الخطوط الحمراء سيتدخلون.
وأوضح البرغوثي أنه من المعيب أن يحاول أي طرف من الأطراف إن كانت “حماس” أو غيرها أن يختصر صمود الفلسطينيين لصالح فصيل سياسي، مؤكداً أنه يتوجب على الحركة الاستجابة إلى الاجتماع الفصائلي الذي دعا إليه الرئيس محمود عباس.
ورداً على ذلك اتهم عضو المكتب السياسي لحركة “حماس” محمود الزهار السلطة الفلسطينية بـ”الكذب”، سواء قولها إنها كانت موجودة في القتال العسكري وإن الحركة غائبة، أو إنها تخلت عن التنسيق الأمني، بحسب قوله، لافتاً إلى أنه إذا كانت “حماس” شاركت أو لا فهذا اختصاص المواطنين وليس “فتح”.
وأضاف الزهار: “عندما تباهي حماس في الفعل العسكري لأنها ترحب بالفعل المقاوم، نحن موجودون في جنين ولا نحتاج شهادة أحد أن يقول إن كنا نقاتل من عدمه، اتهامات فتح لنا نتيجة الإحساس بالفشل لأن المواجهة الأخيرة خرجت عن قادة التعاون الأمني”.
ولم يقتصر الأمر على حد المناكفات السياسية بين قادة الفصيلين المختلفين سياسياً وفكرياً، بل أيضاً شمل الجانب الإعلامي؛ إذ بث تلفزيون فلسطين وشبكة الإعلام الرسمية سلسلة تقارير إخبارية انتقدت فيها موقف “حماس” الذي شنته ضد السلطة الفلسطينية.
وكما الأمر بالنسبة إلى وسائل الإعلام التابعة لحركة “حماس” التي نشرت سلسلة تقارير تنتقد السلطة الفلسطينية وتنسيقها الأمني، وفيها ادعت أن الفلسطينيين طردوا قيادات “فتح” أثناء مشاركتهم في تشييع جثامين قتلى بالضفة الغربية.