ذات صلة

جمع

القمة العربية الإسلامية الأمريكية ترسم شرقًا أوسطًا جديدًا.. تقارب مع دمشق وردع لإيران

شهدت العاصمة السعودية الرياض، اليوم، انعقاد القمة العربية الإسلامية...

إنذار إسرائيلي للموانئ اليمنية.. هل بدأت الحرب على خطوط الإمداد؟

في تصعيد خطير ينذر بتوسيع رقعة النزاع في الشرق...

الحرس الثوري الإيراني.. شبح الإرهاب الإيراني يتمدد في أوروبا

لم تعد عمليات الحرس الثوري الإيراني تقتصر على الشرق...

دولة في الظل.. كيف أعاد الإخوان اختراق مفاصل الحكم عبر بوابة البرهان؟

في ظل تصاعد الأحداث في السودان، تتجه الأنظار نحو...

بسبب التحقيق الجنائي في حسابات المصرف المركزي.. هل تخفي لبنان أسراراً خطيرة؟

ما زالت قضية حاكم المصرف المركزي اللبناني رياض سلامة تؤرق الأوضاع بالبلاد، تزامنا مع بداية الانهيار الاقتصادي في لبنان عام 2019 حتى الآن؛ إذ لم تنجح أي محاولة إصلاحية رغم وزارة المالية وقعت عقداً مع شركة “ألفاريز أند مارشال” لإجراء التدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان، وباشرت بالتدقيق الجنائي للمعاملات المالية للمصرف المركزي في 27 يونيو 2022، على أن تنهي عملها خلال 12 أسبوعاً.

وكان من المتوقع أن تصدر شركة التدقيق المحاسبي الأميركية تقريرها الأولي عن نشاط مصرف لبنان من عام 2015 إلى 2021 في غضون ثلاثة أشهر، إلا أن التقرير لا يزال “مغيباً” منذ ثمانية أشهر، الأمر الذي أثار الشكوك حول وجود ضغوط سياسية تحول دون الإفصاح عن مضمونه للرأي العام.

فيما أكدت مصادر مواكبة لعمل “ألفاريز أند مارشال”، لموقع “إندبندنت” البريطاني أن الشركة قدمت تقريرها الأولي ضمن المهلة المتفق عليها في العقد لوزارة المالية، وقد تقاضت 90 في المئة من القيمة الإجمالية للعقد، والبالغة 2.7 مليون دولار، في حين أن العقد يشير إلى أن نسبة الـ10 في المئة المتبقية تتقاضاها عند تسليم التقرير المبدئي، مشيرة إلى أن وزير المالية يؤخر تسديد الدفعة الأخيرة لتجنب الإقرار بتسلمه التقرير المبدئي بشكل رسمي.

وفتح “تغييب” التقرير المبدئي الذي يفترض أن يتضمن نتائج التدقيق الجنائي لحسابات مصرف لبنان وأنشطته، الاجتهادات والاتهامات بأن هناك نية للتلاعب بمضمونه من خلال حذف بعض الأرقام أو تعديلها.

وفي وقت يرفض فيه وزير المالية يوسف الخليل نفي أو تأكيد تسلمه التقرير، يشير إلى أن العقد يعطي الحق لوزير المال أن يدرس التقرير لمعرفة إذا ما كان تم اكتشاف أي شوائب في حسابات وعمل المصرف المركزي، والأدلة عليها من خلال الأرقام والخلاصات التي يوردها، لافتاً إلى أنه في حال وردت أي شوائب أو ثغرات في عمل مصرف لبنان، يمكن لوزارة المال أن تطلب من الشركة استئناف نشاطها مجدداً من أجل إيضاح مزيد من المعلومات والتفاصيل.

في المقابل، يؤكد مستشار رئيس الحكومة للشؤون الاقتصادية سمير ضاهر أن التدقيق الجنائي لم ينجز بعد، كاشفاً عن نوعين من التدقيق، الأول هو “التدقيق الجنائي الذي لا يزال قيد التحضير من قِبل شركة التدقيق الأميركية التي تجري تدقيقاً مالياً لحسابات مصرف لبنان، والتدقيق إذا كان هناك أي خطأ مقصود في الحسابات أو الأموال الموجودة بشكل خارج عن العمليات الطبيعية التي يتعاطى فيها البنك المركزي”.

أما التدقيق الثاني فهو في “الموجودات الخارجية لمصرف لبنان عبر شركة تدقيق أخرى، وقد أنجز التقرير في شأنه، وتم تسليم نسخة منه لكل من مصرف لبنان ووزارة المال التي لم تنشره حتى اليوم، مرجحاً أن “تكون وزارة المال منكبة على مراجعته في إطار الأخذ والرد بينها وبين المدققين، للاستفسار منهم حول بعض النقاط الواردة في التقرير لشرحها وتوضيحها”.

بينما أكدت مصادر مقربة من حاكم مصرف لبنان رياض سلامة عدم اطلاعها على مضمون التقرير، مشيرة إلى أنه تم التعاون مع الشركة بشكل مطلق ضمن القوانين اللبنانية، وأنه تم تزويدها بالمعلومات والملفات المطلوبة، كاشفة عن أنه على رغم إنهاء مدة العقد لا يزال بعض الموظفين التابعين لشركة التدقيق يترددون على المصرف المركزي لطلب بعض المستندات والمعلومات.

وفي رأيها لم يظهر التقرير المرتقب أي ارتكابات أو اختلاسات في عمل البنك المركزي، لافتة إلى أنه في حال وجود شائبة بسيطة لكانت تسربت إلى الإعلام، “وتم بناء كثير من الروايات والتحليلات في شأنها”. وتوقعت ألا يكون تدقيق “ألفاريز أند مارشال” مختلفاً عن تقارير شركات التدقيق المحاسبي والمالي المتعاقدة مع مصرف لبنان التي لم تكتشف أي شوائب وفضائح طيلة السنوات الماضية.

وفي سياق الضغط على وزارة المالية، وتحت عنوان “إنهاء مسار الإفلات من العقاب”، وجهت ست منظمات غير حكومية، منضوية في “الائتلاف من أجل المحاسبة وعدم إفلات الجرائم المالية من العقاب”، كتاباً رسمياً إلى وزير المالية يوسف الخليل تطلب منه، عملاً بأحكام القانون رقم 28 بتاريخ 10 فبراير 2017 (الحق في الوصول إلى المعلومات) وتعديلاته تزويدها بالمعلومات المتوفرة لديه وأي مستند مفيد من شأنه الإعلام بما هو واقع الحال الراهن بالنسبة لمراحل تنفيذ عقد التدقيق الجنائي.

وأشارت إلى أنه وبموجب العقد، وبعد انقضاء ما يقارب السنة ونصف السنة على توقيعه، لم يعرف بعد ما إذا كانت قد أنجزت المهمة وقدمت الشركة تقريرها المبدئي لكي يبنى على الشيء مقتضاه، أم أنها غير قادرة وغير راغبة وفي مطلق الأحوال متقاعسة، ويقتضي بالتالي إما تسوية الوضع القائم واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة، أو تكليف سواها ضمن ما تجيزه الأنظمة والقوانين المرعية الإجراء، كما وكل ما هو مفيد من معلومات وتفاصيل لهذه الغاية.

وقبيل الانهيار الاقتصادي في لبنان أبرمت الحكومة اللبنانية في يناير (كانون الثاني) 2018 مع شركة “ماكينزي أند كومباني” الأميركية عقداً بقيمة 1.3 مليون دولار لإعداد خطة خلال ستة أشهر للنهوض بالاقتصاد اللبناني وإجراء دراسة في شأن مستقبل لبنان الاقتصادي.

ورغم إنجاز الشركة الدراسة المطلوبة ضمن المهلة المتفق عليها بالعقد، فإنها بقيت حبراً على ورق، ولم تقم أي من الحكومات المتعاقبة بإجراء الإصلاحات الاقتصادية التي تضمنها الدراسة، علماً أن توصيات الشركة نفسها كان لها تأثيرات إيجابية في تطوير اقتصادات في العالم العربي وتكوينها الرؤى الاقتصادية لعدد من الدول العربية كالبحرين والإمارات وليبيا ومصر واليمن.

وفي هذا السياق يؤكد وزير الاقتصاد السابق رائد خوري أنه أصر حينها على الاستعانة بـ”ماكينزي” لوضع خطة تمنع الانزلاق المالي لأنه استشرف الأزمة المالية التي وقع فيها لبنان باكراً، متأسفاً لتجاهل الوزراء الذين خلفوه الخطة وعدم اعتمادها.

ورأى أن تلك الدراسة لا تزال صالحة حتى الآن وتتقاطع بشكل كبير مع مطالب صندوق النقد الدولي، مشيراً إلى أنها تتضمن آلية فعالة لزيادة مداخيل الدولة، إضافة إلى تحديد مكامن الهدر والفساد وكيفية مواجهتها. وكشف عن أن التقرير مؤلف من ألف صفحة تتضمن خطة لمواجهة الفساد كخطوة رئيسة لإعادة النهوض بالاقتصاد، علماً أن لبنان حل حينها في المرتبة 43 من بين 180 دولة في “مؤشر مدركات الفساد لعام 2017” الصادر من “منظمة الشفافية الدولية”.

وبرأي أوساط سياسية فإن الأزمة الاقتصادية في البلاد هي نتيجة طبيعية لغياب المحاسبة والتدخلات السياسية في القضاء، إذ في رأيها طالما أن السياسيين هم من يعينون القضاة، لن تكون هناك محاسبة جدية، وستستمر سياسة المحاصصة والفساد حتى أجل غير مسمى. وترى أن القوى السياسية المتحكمة بالقرارات والتي تسمى “المنظومة”، لديها إمكانية تعطيل كل التحقيقات الجنائية وعدم الأخذ باستشارات الشركات الدولية، كونها ممسكة بزمام الأمور في القضاء والأمن والاقتصاد، بالتالي سيتم إجهاض جميع المحاولات الإصلاحية كونها تتناقض ومصالحها وترسيخ دورها.

وأشارت إلى أنه لا يمكن إخراج البلاد من الأزمة الاقتصادية قبل تغيير جذري في التركيبة السياسية للبلاد، وتشكيل حكومة غير خاضعة تقود عملية إصلاحية واسعة بعد أن يتم تشريع قانون استقلالية القضاء، ووقف التدخلات السياسية التي تعوق الملاحقة والمحاسبة.

spot_img