على الأراضي اللبنانية يعيش جيل كامل من الأطفال السوريين في معاناة بالغة وشبه انهيار بدون هوية ولا تعليم، لذا ينتاب الآباء القلق والمخاوف، لأنه لا نهاية للحرب في الأفق بعد سنوات من الاقتتال.
بينما تتفاقم المخاوف في لبنان لوجود أعداد كبيرة من المواليد السوريين غير المسجلين، فمع بدء اللجوء السوري يعيش آلاف السوريين من أطفال ومراهقين في مخيمات اللجوء من دون هوية ولا أوراق ثبوتية، وترتفع وتيرة الولادات السورية في لبنان بظل عدم وجود إحصائيات دقيقة تحدد عدد اللاجئين مكتومي القيد، وعلى الرغم من أهمية هذا الملف وضرورة معالجته لتداعياته الخطيرة على الأطفال ومستقبلهم من الناحية الإنسانية، فإن المؤسف أن استفاقة الدولة اللبنانية على هذا الملف هي لأهواء سياسية و”هواجس عنصرية” تتعلق بمخاوف توطين مقنع لهؤلاء وهلع من “تغيير ديموغرافي”.
وفي آخر أوجه تلك المعاناة، ما تعرضت له طفلة سورية، إذ عثر الدفاع المدني اللبناني، اليوم الجمعة 23 يونيو، على جثة لطفلة سورية تبلغ من العمر 13 عاماً داخل بئر لتخزين المياه في بلدة اللويزة اللبنانية.
وأفاد الدفاع المدني في بيان: “تمكن فريق الإنقاذ البحري وموظفو مركز بري قريب الساعة 9:40 صباحاً من انتشال جثة طفلة سورية تبلغ من العمر 13 عاماً من بئر تخزين مياه محلي”، مضيفا أن الجثة مفقودة منذ يوم الخميس وتم العثور عليها بعد فحص مياه البئر، مؤكداً أن مهمة الإنقاذ تمت بحضور الأجهزة الأمنية المختصة.
وفي بداية عام 2022، لقي 4 أطفال سوريين حتفهم الاثنين، جراء غرقهم في بركة مياه في منطقة درعون بمحافظة كسروان شمالي لبنان.
ويقدر الأمن العامّ اللبناني عدد السوريين المقيمين في لبنان بمليونين و80 ألف لاجئ، معظمهم لا يملكون إقامات نظامية، في حين تظهر بيانات المفوضية الأممية لشؤون اللاجئين أن المسجلين لديها يبلغون 840 ألف لاجئ، يعيش جُلّهم ظروفاً اقتصادية ومعيشية مأساوية.
وأعربت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في لبنان مؤخراً، عن قلقها البالغ إزاء تقارير عن ترحيل اللاجئين السوريين قسراً من لبنان، مؤكدة أنها تتابعها مع الأطراف المعنية.
ورغم تلك الأوضاع الصعبة للسوريين، باتت الحكومة اللبنانية تطالب اللاجئين السوريين بالعودة إلى بلادهم، حتى لبنان البلد المستضيف بات اليوم بلا أمان، وفي الأشهر الأخيرة اعتقل الجيش اللبناني لاجئين سوريين في وقت تتصاعد فيه المشاعر المعادية لسوريا في البلاد التي تعاني من أزمة اقتصادية.
وقال أحد اللاجئين السوريين في لبنان: “ست فتيات وثلاثة أبناء لا يجيدون فك الحروف، لا تعليم ولا حتى مستقبل”، مضيفا أنه “ضحية من ضحايا الحرب السورية هو وأبناؤه الثمانية”، إذ فرضت عليه الظروف المعيشية الصعبة عدم تسجيل أطفاله نظرا لكلفة المعاملات وعدم قدرته على تكبد عناء المواصلات من شمالي لبنان إلى بيروت لإتمام المعاملات الرسمية، فضلا عن عدم قدرته على قصد السفارة السورية بحكم معارضته للنظام.
وتابع أنه “عاجز اليوم حتى عن إصلاح الوضع القانوني لهم بسبب وضعه المالي حيث يجب عليه دفع غرامات التأخر بالتسجيل في لبنان، وأيضا كلفة تخليص الأوراق في سوريا الباهظة (لكونه معارضا).
ومن بين الأطفال السوريين أيضا، أحمد (12 سنة) و آمنة (8 سنوات) و منى (6 سنوات)، قست عليهم الحياة بالرغم من صغر سنهم، محرومون من أبسط حقوقهم بعدما رفض والدهم تسجيلهم بذريعة وضعه المادي الصعب، وعبّرت آلاء والدة هؤلاء الأطفال عن قلقها الشديد على مستقبلهم، بسبب إهمال زوجها وعدم اكتراثه لعواقب هذا الإهمال على أبنائه ومستقبلهم، فهي تدرك جيدا معنى أن يكون الطفل “مكتوم القيد”، فهؤلاء الأطفال اليوم “مجرد أسماء في هذه الحياة ولا وجود قانونيا لهم”.
وخوفا من “توطين مقنع” سُجل تحرك رسمي، مع تقدم النائب جورج عطا الله من تكتل “لبنان القوي”، باقتراح قانون مُستعجل مكرر من مادة وحيدة، تقول “خلافا لأي نص آخر لا يمكن بأي شكل من الأشكال، إعطاء أو منح مكتومي القيد من مواليد 2011، وما بعده، الجنسية أو الإقامة اللبنانية تحت أي عذر أو بسبب أي ظرف آخر، لا قضائيا ولا إداريا ولا بموجب أي مرسوم جمهوري أو أي طريقة أخرى”، بحسب تلفزيون سوريا.
لذا بدأت لجنة الإدارة والعدل دراسة الاقتراح، تمهيدا لإقراره، تقول النائبة غادة أيوب في تصريحات تلفزيونية إن “القانون طرح بإطار عدم السماح لمكتومي القيد غير اللبنانيين بالحصول على الجنسية اللبنانية تحت ذريعة أنه غير معترف بهم قانونا”، مشيرة إلى أن “النقاش كان بالشق القانوني للعملية، ففي كل دولة هناك مكتومو قيد لأسباب معينة، ولذا ثمة مكتومو قيد لبنانيون ولكن هذا لا يعني أن تنطبق هذه الصفة على الولادات السورية غير المسجلة سواء بتقصير من قبل الحكومة أو من الأمم المتحدة”، معربة عن تخوف من “تجنيس مقنع”.
وأشارت النائبة إلى أن “الولادات السورية غير المسجلة في لبنان تعتبر مكتومة القيد في سوريا وليس في لبنان، من هنا جاء البحث بعدم تشريع قانون يحرم اللبنانيين المستحقين لهذه الجنسية”، وحملت مسؤولية هذا الملف للنظام السوري كونه “المسؤول عن إجراء التسهيلات اللازمة عبر سفاراته لتسجيل الولادات السورية”.
وتابعت أن الأسباب الموجبة لدراسة هذا القانون ظهرت بعد الأزمة الناشئة بين المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة والحكومة اللبنانية، والخلاف حول تسليم بيانات النازحين المسجلين بعد عام 2015، وهو التاريخ الذي قررت فيه الحكومة اللبنانية وقف التسجيل الرسمي لهؤلاء، فضلا عن تقصير كثير من السوريين في تسجيل مواليدهم، في السفارة السورية.
ورغم تعدد الأسباب تبقى النتيجة واحدة، جيل من اللاجئين السوريين في لبنان يعيشون الحرمان من أبسط الحقوق، مئات أو حتى الآلاف لا إثبات لوجودهم على الأرض. وبحسب إحصائيات أممية، فإن 69% من اللاجئين السوريين في لبنان لم يستطيعوا تسجيل مواليدهم في سجل الأجانب، و86% من العائلات لم تستطع الحصول على أوراق ثبوتية.
بينما أكدت المديرة التنفيذية لجمعية “بيوند” التي تعنى بشؤون اللاجئين السوريين، ماريا عاصي، أن “إعادة فتح ملف الولادات السورية في هذا التوقيت بالذات هو توظيف سياسي، لأن هذه الظاهرة ليست وليدة اللحظة بل تعود إلى بداية النزوح السوري إلى لبنان ومنذ ذلك الوقت تم التركيز على التوعية وعلى أهمية الهوية وأنها أهم حق من حقوق الطفل من قبل الهيئات والمنظمات الحقوقية والإنسانية إلا أن بعض الأسر والتي عددها كبير جدا لديها مشكلة مكتومي القيد”.
وقالت إنه “تم أيضا مناشدة المنظمات الدولية لمتابعة هذه القضية الخطيرة ولكن كان التدخل خجولا، ونأمل اليوم أن تكون هناك استفاقة حقيقية على حقوق الأطفال المحرومين من أبسط حقوقهم وليس استغلال هذا الملف في البازار السياسي الحاصل”.
وتشير الأرقام إلى أنه حتى نهاية العام 2022 وُثّقت ولادة 196 ألف سوري في لبنان من عائلاتٍ نازحة، هذا عدا الولادات غير المعروفة وولادات السوريين المُقيمين من غير النازحين، وحتى العام 2017، لم تتخطَّ نسبة تسجيل ولادات النازحين 17 في المئة، في حين وصلت هذه النسبة إلى 36 في المئة أواخر العام 2022، من أصل الـ196 ألف مولود، بعد جُهد وتسهيلات الوزارات والإدارات المعنية في الدولة اللبنانية.