لا يتوقف المشروع التوسعي، الذى يريده الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عند حد؛ إذ يطمح أردوغان في مد وبسط نفوذه بالكثير من الدول، أملاً في إقامة دولة الخلافة التي باتت حلماً يراوده في كل وقت وحين، ويسعى إلى تحقيقه بشتى السبل، حتى وإن كلفه ذلك إهدار أموال شعبه، وإرهاق خزينة بلاده.
وفي كل يوم، تتكشف خيوط جديدة من المؤامرة التركية، وتبدو فصول جديدة، في حلقات التوغل التركي بالقارة الإفريقية، التي لم ينقطع أمل أردوغان في السيطرة عليها، رغم إخفاقه في ذلك حتى الآن.
صحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية، كشفت في تقرير لها، اليوم الاثنين، ما وصفته بـ”لعبة أردوغان الكبرى”، التي تتضمن أبعاد التوغل التركي في القارة السمراء، عن طريق الجنود والجواسيس والأموال؛ سعياً وراء تحقيق ما يصبو إليه أردوغان من فرض السلطة والنفوذ التركي بإفريقيا.
ولم يكن ذلك بغريب على أردوغان؛ إذ عهد عليه الاستعانة بالمرتزقة في جميع مخططاته، سواء في سوريا، أو في ليبيا، أو من خلال الدفع بهم إلى الصفوف الأمامية من الحرب في إقليم ناجورنو كاراباخ؛ دعماً لأذربيجان، حليفه القوي بمنطقة القوقاز، ضد أرمينيا، عدوه التاريخي، في النزاع القائم بينهما على الإقليم.
لكن في القارة الإفريقية، يختلف الأمر بعض الشيء؛ إذ تتعدد الوسائل والكروت التي يلعب بها أردوغان، ومنها المسلسلات التركية، إذ كشفت الصحيفة البريطانية طريقة استخدام أردوغان للمسلسلات التركية، من أجل السيطرة على القارة السمراء، وهو ما يتجلى في تصارع زوجين إثيوبيين في حانة فندق بالعاصمة أديس أبابا، على ريموت التلفاز، فالزوج يريد مشاهدة نشرة الأخبار، بينما تريد الزوجة مسلسلاً تلفزيونياً تركياً مدبلجاً باللغة الأمهرية.
وأوضحت الصحيفة البريطانية أن نجاح المسلسلات التركية في إثيوبيا على الرغم من كونه علامة صغيرة، لكنها معبرة عن نفوذ أنقرة المتزايد في المنطقة؛ إذ قال المؤسس المشارك في قناة “كانا” الإثيوبية، إلياس شول: “نجاح المحتوى التركي مستمر في إثيوبيا، وبالنسبة لأنقرة، كانت التجارة والمساعدات التنموية وحتى المسلسلات التلفزيونية مفيدة في ترسيخ النفوذ التركي في القارة”.
أما الخبير في السياسة الخارجية التركية بجامعة “نافارا” الإسبانية، مايكل تانشوم، فيرى أن تركيا تتمتع بمزايا القوة الناعمة التي تمكنها من الاستغلال.
وأوضحت الصحيفة البريطانية أن العقود التي أعقبت انهيار الإمبراطورية العثمانية، شهدت تجاهل تركيا إلى حد كبير قارة إفريقيا، واختار حكامها التركيز على أوروبا بدلا من ذلك، إلا أن أردوغان على مدى السنوات الخمس عشرة الماضية، قاد بلاده لإحياء علاقاتها مع القارة السمراء.
وأشارت الصحيفة البريطانية أن تركيا زادت عدد سفاراتها في الدول الإفريقية، من 12 إلى 42، منذ عام 2009، كما كرر أردوغان زياراته إلى تلك الدول، فقام بزيارة 20 عاصمة من عواصم الدول الإفريقية.
ونوهت الصحيفة البريطانية بتصريحات سابقة لأردوغان، حين قال في شهر أكتوبر الماضي: “الأتراك والأفارقة مقدر لهم أن يكونوا شركاء”.
وتابعت الصحيفة البريطانية: إن أردوغان وضع هدفاً لمضاعفة حجم التجارة البينية بين بلاده وبين الدول الإفريقية، إلى 50 مليار دولار خلال السنوات المقبلة، أي ما يقرب من ثلث تجارتها الحالية مع الاتحاد الأوروبي، لافتة إلى أن تركيز أنقرة على صفقات وعقود البنية التحتية الحكومية الكبيرة في جميع أنحاء إفريقيا، من تجمع أولمبي في السنغال، إلى أكبر منشأة عسكرية خارجية في الصومال، ومسجد كبير في جيبوتي، يؤكد على الأهمية الاقتصادية والجيوسياسية التي توليها للقارة السمراء.
واستاءت فرنسا، القوة الاستعمارية السابقة بالمنطقة، من زيارة أردوغان للسنغال قبل عام، حيث تبحث الدول الإفريقية عن بدائل للوجود الفرنسي، حسب التقرير.
ونقلت الصحيفة البريطانية عن مسؤولين أتراك قولهم: إن 2.5 مليار دولار من إجمالي 6 مليارات دولار، استثمرتها بالفعل الشركات التركية في إفريقيا جنوب الصحراء، ذهبت إلى إثيوبيا، وفي عام 2005، وبعد أن كانت هناك 3 شركات تركية فقط في إثيوبيا، اليوم، هناك 200 شركة، تتنوع بين شركات الأسلاك والمنسوجات إلى المشروبات، مشيرين إلى أنه حتى اندلاع الصراع في منطقة تيجراي لم يردع المستثمرين الأتراك.
بالإضافة إلى ذلك، تحافظ تركيا على وجودها في الصومال، من خلال إقامة مشروعات الطرق، وإنشاء معسكر تدريب عسكري كبير، كما شهد العام الماضي، توقيع شركة تركية عقد مدته 14 عاما لتجديد وتشغيل ميناء في مقديشو.
كما كانت تركيا مصدراً رئيساً لتوزيع المساعدات في الصومال، فمنذ عام 2011، ضخت أنقرة أكثر من مليار دولار، وفي أوائل نوفمبر، سددت 2.4 مليون دولار من الديون المستحقة على الصومال لصندوق النقد الدولي، وقامت ببناء مستشفيات ومدارس وقدمت منحاً دراسية.