مع دخول عام 2026، يتجه أنظار قطاع الطاقة العالمي نحو مجمع مليتة في غرب ليبيا، حيث تتركز أعقد العمليات الجيوسياسية والاقتصادية لربط ضفتي المتوسط عبر خط “غرين ستريم” .
صفقة الـ 8 مليارات دولار
تعتبر الشراكة بين شركة “إيني” الإيطالية والمؤسسة الوطنية للنفط في ليبيا هي العمود الفقري لهذا الطموح، وقد شهدت الفترة الأخيرة تفعيلاً غير مسبوق للاتفاقية الاستراتيجية التي تقدر استثماراتها بنحو 8 مليارات دولار.
يهدف هذا المشروع الضخم إلى تطوير حقلي غاز بحريين رئيسيين، وهما “التركيبة أ” و”التركيبة هـ” ، ووفقًا لخطط عام 2026، من المتوقع أن يبدأ الإنتاج المشترك لهذين الحقلين ليصل إلى هضبة إنتاج تقدر بـ 750 مليون قدم مكعب يوميًا.
هذه الأرقام ليست مجرد إحصائيات، بل هي الرهان الذي تضعه إيطاليا لتقليل الاعتماد الكامل على الغاز الروسي، وتعويض نقص الإمدادات العالمية.
خط “غرين ستريم”.. الشريان الممتد تحت البحر
يعد خط أنابيب “غرين ستريم” الذي يمتد بطول 520 كيلومترًا تحت قاع البحر الأبيض المتوسط، من “مليتة” الليبية إلى “جيلا” في صقلية، واحدًا من أطول الخطوط البحرية في المنطقة، بقدرة نقل قصوى تصل إلى 11 مليار متر مكعب سنويًا.
ويمثل هذا الخط نحو 8% من استهلاك الغاز السنوي في إيطاليا، ومع ذلك، فإن الخط لم يعمل بكامل طاقته خلال السنوات الأخيرة نتيجة الانقسامات السياسية الداخلية في ليبيا، والتي تسببت في إغلاقات متكررة للحقول وتوجيه جزء كبير من الغاز للاستهلاك المحلي لتشغيل محطات الكهرباء الليبية. في عام 2026، تهدف “إيني” عبر “مشروع ضغط الغاز بصبراتة” إلى زيادة الكفاءة التشغيلية للخط، وضمان تدفق مستقر يلبي الطلب الأوروبي المتصاعد.
حقل بحر السلام وحقل الوفاء
وتحت المجهر الفني، يبرز حقل بحر السلام كأهم مورد للغاز الطبيعي في ليبيا، باحتياطيات تبلغ نحو 55 تريليون قدم مكعب، وقد شهد الحقل في الربع الأخير من عام 2025 تركيب ضواغط عملاقة لزيادة الإنتاج، وهو ما يمهد الطريق لقفزة في الصادرات خلال عام 2026.
التحديات الجيوسياسية
وقالت مصادر: إن رغم الطموحات الكبيرة، يظل الاستقرار السياسي في ليبيا هو “اللغم” الذي قد ينفجر في أي لحظة ليعطل مشاريع الطاقة. فالقوى الدولية والشركاء المحليون يدركون أن خطوط الغاز والنفط تُستخدم غالباً كأوراق ضغط سياسية في الصراعات الداخلية.
وقد أشار تقرير لشركة “إيني” إلى أن حماية المنشآت النفطية ومنع التدخلات المسلحة في مجمع مليتة هو الضمان الوحيد لاستمرار الاستثمار.
ويظل مشروع “غرين ستريم” أكثر من مجرد أنبوب لنقل الطاقة؛ إنه جسر جيوسياسي يربط مستقبل ليبيا الاقتصادي باستقرار القارة الأوروبية. وتحت مجهر شركة “إيني”، يبدو أن عام 2026 سيحمل الإجابة الحاسمة حول قدرة ليبيا على التحول إلى “ملاذ آمن” للطاقة، بعيدًا عن تجاذبات السياسة المحلية.

