عاد ملف تمويل المنظمات المدنية في أوروبا إلى واجهة الجدل السياسي، بعد صدور تقرير جديد أثار تساؤلات واسعة حول آليات الرقابة داخل مؤسسات الاتحاد الأوروبي، وحدود الفصل بين العمل الأهلي ودعم أجندات أيديولوجية عابرة للحدود.
التقرير، الذي أعدته مجموعة المحافظين والإصلاحيين الأوروبيين، فتح نقاشًا حساسًا حول توجيه أموال عامة لمنظمات يشتبه في ارتباطها بتنظيم الإخوان الإرهابي، وما يحمله ذلك من تداعيات على القيم الديمقراطية والتماسك المجتمعي في القارة.
وثيقة سياسية بأبعاد أمنية
التقرير، الذي حمل عنوانًا كاشفًا لطبيعته، لم يكتف بعرض أرقام التمويل، بل حاول رسم خريطة واسعة لشبكات ومنظمات تلقت دعمًا أوروبيًا على مدى سنوات، في إطار برامج تحمل عناوين براقة مثل الإدماج الاجتماعي، مكافحة التمييز، وتمكين الشباب.
غير أن معدي التقرير يرون أن هذه اللافتات الإنسانية استخدمت كغطاء لتمرير تمويلات لمنظمات ذات خلفيات أيديولوجية واضحة.
وبحسب ما ورد في الوثيقة، فإن التمويل لم يكن استثناءً عابرًا، بل نمطًا متكررًا شمل مؤسسات أوروبية مركزية، وحكومات وطنية، وسلطات إقليمية، ما يعكس خللًا هيكليًا في منظومة التدقيق والمتابعة.
منظمات بارزة وأرقام لافتة
يسلط التقرير الضوء على عدد من الجهات التي استفادت من منح أوروبية بملايين اليوروهات، وفي مقدمتها منظمة “إسلاميك ريليف العالمية”، التي يقال إنها حصلت على عشرات الملايين منذ منتصف العقد الأول من الألفية.
كما يشير إلى شبكات ومنصات أوروبية معروفة في مجال مناهضة العنصرية والعمل الشبابي، اعتبرت من قبل معدّي التقرير جزءًا من بيئة تنظيمية قريبة من فكر الإخوان أو متقاطعة معه.
ولا يقتصر النقد هنا على حجم الأموال، بل على طبيعة الخطاب والنشاط، إذ يرى التقرير أن بعض هذه المنظمات تروّج لرؤية انعزالية للمجتمعات المسلمة داخل أوروبا، بما يتعارض مع مبادئ الاندماج والمواطنة المتساوية.
جدل القيم قبل الجدل القانوني
أنصار استمرار التمويل يؤكدون أن هذه المنظمات لم تُدان قضائيًا، وأنها تلعب دورًا في معالجة قضايا اجتماعية حساسة داخل المجتمعات الأوروبية، غير أن التقرير يرد بأن المشكلة لا تكمن في غياب الإدانة القانونية، بل في التناقض بين القيم التي يرفعها الاتحاد الأوروبي، والمضامين الفكرية والسياسية لبعض الجهات المدعومة.
ويشير معدو التقرير إلى مفارقة لافتة، تتمثل في أن مؤسسات الاتحاد تطبق معايير صارمة ومعقدة عند تمويل الشركات الخاصة، بينما تبدو أكثر تساهلًا مع منظمات مدنية ذات نشاط سياسي أو أيديولوجي واضح.
مخاوف من تأثير طويل المدى
يحذر التقرير من أن استمرار هذا النمط من التمويل قد يؤدي إلى تقويض الثقة في المؤسسات الأوروبية، ويمنح شرعية غير مباشرة لشبكات تسعى إلى إعادة تشكيل الفضاء العام وفق مرجعيات لا تنسجم مع النموذج الديمقراطي الأوروبي.
كما يرى أن الأمر لا يتعلق بحالات فردية أو أخطاء إدارية، بل بمسار تراكمي يحمل مخاطر على المدى البعيد.

