شهدت العاصمة صنعاء الخاضعة لسيطرة مليشيا الحوثي تطورًا جديدًا في قضية الاعتقالات التي طالت شخصيات بحثية وأكاديمية خلال الأسابيع الماضية، بعد إعلان الإفراج عن الدكتور حمود العودي والمهندس عبدالرحمن العلفي، في خطوة بدت أقرب إلى إطلاق مشروط منها إلى تسوية حقيقية.
المليشيا الحوثية اشترطت تقديم ضمانات تجارية صارمة قبل الإفراج عنهما، بينما ظل سكرتير مركز دال للدراسات، أنور خالد شعب، قيد الاحتجاز دون أي إيضاح رسمي عن وضعه أو مكان احتجازه، ما أثار موجة جديدة من التساؤلات والقلق الحقوقي.
ضمانات مالية بدل الإجراءات القانونية
عملية الإفراج التي تمت الأحد لم تمر كإجراء طبيعي، إذ اشترطت المليشيا على ذوي المفرج عنهم تقديم ضمانات حضورية من تجار يمتلكون سجلات تجارية مفعلة داخل صنعاء، وهو شرط غير مألوف في سياق الإفراج عن أكاديميين وباحثين لم توجه لهم أي تهم واضحة حتى اللحظة.
وهذه الشروط عكست تحولاً لافتًا في أسلوب إدارة المعتقلين، وتحول الضمانات التجارية إلى أداة تستخدم لفرض السيطرة والتأكد من إمكانية إعادة احتجاز المفرج عنهم في أي وقت.
ووفق مصادر متطابقة، فإن إجراءات الضمان كانت مشددة إلى حد غير مسبوق، بما يؤشر إلى أن الإفراج لا يعني إغلاق الملف، بل تجميده مؤقتاً.
اقتحام مركز دال.. الدوافع الغامضة
وبداية القضية كانت في العاشر من نوفمبر، عندما استدعى جهاز الأمن والمخابرات التابع للمليشيا كلاً من العودي والعلفي، وحال وصولهما تم اختطافهما وقطع الاتصال بهما تماماً.
وفي اليوم نفسه اقتحمت قوة أمنية مقر مركز دال للدراسات الاجتماعية في حي حدة، وصادرت معدات ومواد بحثية واعتقلت سكرتير المركز أنور خالد شعب واقتادته إلى جهة مجهولة.
ومصادر محلية تؤكد، أن المركز كان يعمل بشكل علني منذ سنوات، ما يجعل توقيت الاقتحام وأسلوبه مثار تساؤل حول دوافع تتجاوز مجرد إجراءات أمنية، خاصة أن الاستهداف طال حقلاً بحثيًا وأكاديميًا معروفًا بعمله في قضايا اجتماعية بعيدة عن الصراعات السياسية المباشرة.
احتجاز متنقل ومصير مجهول
وعقب يوم من الاعتقال، نقل العودي والعلفي من مقر الجهاز الأمني في حدة إلى سجن ثاني تابع للمليشيا في منطقة شملان، حيث بقيا طيلة الفترة الماضية قبل الإفراج عنهما الأحد.
غير أن الوضع مختلف تمامًا بالنسبة إلى أنور خالد شعب، إذ ما يزال مصيره مجهولاً، ولم يصدر عن المليشيا أي تصريح حول مكان احتجازه أو أسباب استمرار اختطافه، في وقت تتصاعد فيه مطالبات حقوقية محلية ودولية بالإفراج عنه فورًا وإعادة ممتلكات المركز المصادرة.
قلق حقوقي وتضييق متزايد
ومنظمات حقوقية اعتبرت ما حدث مؤشرًا على توسع حملة التضييق على المراكز البحثية والأكاديمية في مناطق سيطرة الحوثيين، ورأت في استخدام الضمانات التجارية محاولة لابتكار أدوات جديدة لفرض السيطرة.
وتشير تقارير حقوقية إلى أن ما جرى يندرج ضمن سياسة ممنهجة تستهدف الأصوات المستقلة، سواء كانت أكاديمية أو مدنية، وتهدف إلى تضييق مساحة العمل البحثي والاجتماعي.
رغم الإفراج عن العودي والعلفي، ما تزال القضية مفتوحة بانتظار كشف مصير أنور شعب، وبينما يرى مراقبون أن الخطوة تحمل رسائل سياسية داخلية، يعتبر آخرون أن احتجاز سكرتير المركز دون الإفراج عنه جزء من محاولة الضغط المستمر على المراكز البحثية.

