مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية المقبلة في العراق، تزداد حدة الخطاب السياسي والاستقطاب الشعبي، في ظل أزمات اقتصادية وخدمية متراكمة، وتراجع الثقة الشعبية بالمؤسسات الرسمية.
وبينما تحاول الحكومة الحالية إظهار الانتخابات بوصفها محطة ديمقراطية جديدة، ترى مصادر أنها قد تتحول إلى ساحة لتصفية الحسابات بين القوى المهيمنة على المشهد منذ عام 2003.
خلافات وتشرذم
وأوضحت المصادر أنه يبدو أن الانقسام التقليدي بين الكتل الشيعية لا يزال العنوان الأبرز في الساحة العراقية، فبعد تجربة حكومة محمد شياع السوداني، التي وُلدت من رحم الإطار التنسيقي، تعيش القوى الشيعية اليوم خلافًا حادًا حول مستقبل التحالفات وموقع زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر في المعادلة السياسية المقبلة.
ومن جهة أخرى، لا تزال الكتل السنية تبحث عن تماسكها الداخلي بعد الخلافات بين تحالفي العزم وتقدّم، فيما يعاني المعسكر الكردي من انقسامات أكثر حدة بين الحزبين الرئيسيين في إقليم كردستان.
الأزمة الاقتصادية والفساد
ويُجمع الخبراء على أن الملف الاقتصادي سيكون من أهم عوامل التأثير في توجهات الناخبين العراقيين، فمع استمرار أزمة سعر الصرف، وتراجع الخدمات، وارتفاع معدلات البطالة والفقر، تآكلت الثقة الشعبية في الطبقة السياسية.
كما أن الفساد المالي والإداري، الذي وصفه رئيس الوزراء نفسه بأنه أخطر من الإرهاب، لا يزال يمثل جرحًا نازفًا في جسد الدولة، وتواجه الحكومة اتهامات بعدم قدرتها على تنفيذ إصلاحات حقيقية رغم موارد النفط الضخمة.
وقالت المصادر إنه على الرغم من الأهمية الكبيرة لهذه الانتخابات، فإن مؤشرات العزوف الشعبي لا تزال مرتفعة، إذ تُظهر استطلاعات الرأي تراجع نية المشاركة إلى أقل من 40%.
ويرى كثير من العراقيين أن الانتخابات لن تغيّر شيئًا، لأن التحالفات نفسها تعيد إنتاج النظام السياسي ذاته منذ عقدين، دون أي محاسبة أو إصلاح حقيقي. لكن في المقابل، تحاول الحركات المدنية والنشطاء الذين شاركوا في احتجاجات تشرين الدفع نحو مشاركة واعية يمكن أن تخلق كتلة ضغط جديدة داخل البرلمان، حتى وإن كانت محدودة العدد، فإنها قادرة على كشف ملفات الفساد ورفع سقف الخطاب الرقابي.
ما هي السيناريوهات المحتملة؟
وكشفت المصادر أن السيناريو الأول يتمثل في تشكيل حكومة توافقية جديدة تشارك فيها جميع الأطراف الكبرى، ما سيؤدي إلى استمرار النهج نفسه دون تغيير حقيقي. أما السيناريو الثاني، فهو حكومة أغلبية سياسية قد يدفع بها الإطار التنسيقي إذا تمكن من استقطاب كتل سنية وكردية وازنة، لكن هذا الخيار يحمل مخاطر تفجير الخلافات الداخلية.
ويبقى السيناريو الثالث، وفق المصادر، وإن كان الأضعف، هو صعود قوى مستقلة أو مدنية إلى موقع التأثير، عبر حشد أصوات الناخبين الساخطين على الطبقة السياسية التقليدية.

