تشهد إسرائيل منذ مساء أمس الأربعاء موجة حرائق ضخمة اندلعت في جبال القدس؛ مما أدى إلى تدمير مساحات واسعة من الغابات والأراضي الزراعية، وإجلاء آلاف السكان من منازلهم، وتجددت النيران في اليوم التالي، مما أثار تساؤلات حول مدى استعداد الجبهة الداخلية الإسرائيلية لمواجهة مثل هذه الكوارث البيئية.
تفاصيل الحريق
اشتعلت الحرائق في جبال القدس، خاصة بين بيت مئير وإشتاؤول وصولاً إلى مسيلات تسيون، حيث تضرر أكثر من 20,000 دونم (حوالي 5,000 فدان) من الغابات، وتم إجلاء سكان عدة بلدات، بما في ذلك “غفعات يعاريم” و”رمات رزيئيل”، مع عودة معظمهم بعد السيطرة على الحريق، كما شارك أكثر من 100 فريق إطفاء، مدعومين بـ11 طائرة، في عمليات الإخماد.
أشار خبراء البيئة، أن غابات الصنوبر المزروعة في المنطقة، والتي تتميز بقابليتها العالية للاشتعال، ساهمت في سرعة انتشار النيران، بالإضافة إلى ذلك، فإن تضاريس جبال القدس، المكونة من وديان وجبال، تُسهم في تفاقم الحرائق.
الدعم الدولي والإقليمي
أرسلت السلطة الفلسطينية 4 فرق إطفاء تضم 20 إطفائيًا و4 سيارات إطفاء من الضفة الغربية، في خطوة تعكس التعاون الإنساني رغم التوترات السياسية.
وعرضت تركيا المساعدة في إخماد الحرائق، إلا أن إسرائيل رفضت العرض، مشيرة إلى قدرتها على التعامل مع الوضع، كما تواصلت إسرائيل مع دول مثل اليونان، قبرص، إيطاليا، وفرنسا لطلب المساعدة في مكافحة الحرائق.
محاولات فاشلة لإخماد الحرائق
أظهرت الحرائق الحالية تحديات كبيرة في قدرة إسرائيل على التعامل مع الكوارث الطبيعية، حيث تم إعلان التعبئة العامة في صفوف وحدات الإطفاء، واستدعاء طائرات هليكوبتر ووحدات من الجيش الإسرائيلي والجبهة الداخلية للمساعدة في الإخلاء والمراقبة الجوية.
لذا تواصل فرق الإطفاء الإسرائيلية مكافحة النيران المشتعلة بالقرب من الطريق السريع الرابط بين القدس وتل أبيب، بعد أن خلّفت الحرائق إصابات وأجبرت السلطات على إعلان حالة التأهّب القصوى في صفوف فرق الإنقاذ والطوارئ.
طوارئ في إسرائيل
وفي ضوء التصعيد، وجّه وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، أوامره إلى قيادة الجيش بنشر قوات لدعم عمليات الإطفاء، بينما حذّر رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو من احتمال وصول ألسنة اللهب إلى تخوم مدينة القدس، مشدداً على خطورة الموقف.
وفي إطار الجهود الدولية للمساعدة، أعلن نتانياهو عن وصول ثلاث طائرات إطفاء من إيطاليا وكرواتيا قريباً.
من ناحيته، أفاد مكتب وزير الخارجية، جدعون ساعر، بوصول طائرتين من إسبانيا وثالثة من فرنسا، إلى جانب دعم إضافي من رومانيا.
كما أصدر رئيس هيئة الأركان العامة، إيال زامير، تعليماته للجيش بالاستعداد الكامل لتقديم الدعم لشرطة إسرائيل وخدمة الإطفاء، مؤكداً أنه تم نشر بعض القوات بالفعل في مواقع الحرائق.
ذعر بين المواطنين
وأظهرت تسجيلات مصورة لحظات ذعر للمدنيين، حيث اضطر البعض لمغادرة مركباتهم والفرار سيرًا على الأقدام هرباً من الدخان الكثيف الذي غطى الطريق.
وتكافح وحدات الإطفاء حالياً خمس بؤر مشتعلة في محيط القدس، فيما ذكرت الشرطة أن النيران امتدت أيضاً إلى مناطق في الجنوب، وسط تقارير إعلامية تشير إلى اندلاع حرائق أخرى في شمال البلاد، وإن لم يتم الإبلاغ عن إصابات في هذه المناطق حتى الآن.
هشاشة الجبهة الداخلية أمام موسم الحرائق
تكشف حرائق جبال القدس الحالية عن ثغرات مستمرة في جاهزية الجبهة الداخلية الإسرائيلية لمواجهة الكوارث الطبيعية واسعة النطاق، رغم التجهيزات التقنية والمساعدة الدولية.
فبينما أظهرت وحدات الإطفاء استجابة سريعة نسبياً، فإن إغلاق طريق رئيسي بين تل أبيب والقدس، وفرار المدنيين وسط الدخان الكثيف، يعيدان إلى الأذهان مشاهد مماثلة من حرائق غابات مدمرة شهدتها البلاد خلال السنوات الماضية.
ومن أبرز تلك الحوادث، كانت حرائق جبل الكرمل عام 2010، والتي أودت بحياة 44 شخصاً وأحرجت السلطات الإسرائيلية بسبب ضعف الجاهزية حينها، ما أدى لاحقاً إلى إنشاء وحدة خاصة لطائرات الإطفاء.
كما اندلعت حرائق غابات ضخمة في نوفمبر 2016، أجبرت آلاف السكان على النزوح من حيفا ومناطق أخرى، وسط اتهامات بالتقصير وضعف التنسيق بين الأجهزة المعنية.
وتكرار هذه الحوادث، رغم التحسينات التقنية والدعم الدولي، يعكس اعتماد إسرائيل المتزايد على المساعدات الخارجية في مواجهة الكوارث الطبيعية، ما يثير تساؤلات جدية حول مدى قدرة الدولة على إدارة الأزمات داخلياً، خصوصاً في ظل توتر أمني دائم وموسم صيفي مرشح لمزيد من موجات الحرّ والجفاف.
وفي ظل هذه المعطيات، لا يبدو أن الحرائق الحالية مجرد كارثة بيئية عابرة، بل قد تكون إنذارًا مبكرًا لموسم ناري استثنائي يختبر جاهزية الجبهة الداخلية الإسرائيلية من جديد.