مع الضربات الجوية المتبادلة مؤخرًا، قد يكون الحوثيون في اليمن يشعرون بحالة من النشوة بعد نجاحهم في إبقاء الإسرائيليين مستيقظين في الليل بإطلاق الصواريخ المتقطعة التي تستهدف مركز ثقل البلاد، ولكنهم أصبحوا في ورطة استراتيجية كبرى.
فبعد أقل من عام ونصف من دخولهم الكبير على الساحة الدولية، تبدو الخيارات الاستراتيجية للحوثيين أسوأ بكثير مما كانت عليه في أكتوبر 2023، وفقًا لما نشره موقع “ناشونال أنترست”.
الاحتكاك مع الأطراف الخارجية
وقال “ناشونال أنترست”: إن جماعة مثل الحوثيين، على غرار حزب الله أو حماس، مرادفة لسوء الحكم. لا يعتمد ادعاؤهم بالشرعية على تعزيز الاقتصاد المزدهر أو عكس إرادة الشعب من خلال الانتخابات الوطنية، ولكن على روايتهم عن “المقاومة”.
وللحفاظ على هذا السرد، فإنهم يزرعون باستمرار الاحتكاك مع الأطراف الخارجية لشيطنة هذه الكيانات، وبالتالي تصوير أنفسهم على أنهم “المدافعون” عن البلاد.
وباعتبارهم “آخر رجل صامد” ضد إسرائيل داخل محور المقاومة، قد يبدو الحوثيون في أقوى موقف لهم حتى الآن. ولا شك أن هجماتهم على إسرائيل أكسبتهم احترامًا جديدًا بين الحرس الثوري الإيراني وبعض الفصائل المعادية لإسرائيل بشكل جذري في العالم العربي. ومع ذلك، فإن هذا لا يروي القصة كاملة، ولا حتى معظمها.
رفض السلام
وعلى المستوى الاستراتيجي، يجب أن يتمتع النظام الذي يحظى بموقع جيد بامتياز الاختيار بين الخيارات المواتية التي تعزز مصالحه الأساسية.
بهذا المعنى، كان الحوثيون في أوجهم من عام 2022 إلى عام 2023. وخلال هذه الفترة، واجهوا قرارًا محوريًا: قبول عرض السلام السخي من الحكومة اليمنية أو زيادة الضغوط لانتزاع المزيد من التنازلات.
وكان من الممكن أن يؤدي إبرام الاتفاق إلى تمهيد الطريق لمزيد من الاعتراف الدولي، وربما يسمح لهم بتأكيد السيطرة على بقية اليمن، إما من خلال الهيمنة على اتفاق تقاسم السلطة مع الحكومة المعترف بها دولياً أو باستخدام القوة مع ردع التدخل الخارجي.
لذا اليوم، بعد عام وثلاثة أشهر من 7 أكتوبر 2023، ساء وضع الحوثيين بشكل كبير.
وتشير التقارير، أن الأطراف العربية تمتنع عن إعطاء الضوء لإبرام اتفاق، ربما مع خطط لإعادة التفاوض بموجب شروط أكثر ملاءمة، نظرًا لليأس من جانب الحوثيين للتوقيع الآن.
وكان الحوثيون يأملون أن يجلب الاتفاق مليارات الدولارات، التي يحتاجها نظامهم بشكل عاجل مع انخفاض قدرته على استخراج الضرائب و”التبرعات” من السكان إلى جانب تدهور الاقتصاد المحلي.
وقد يفكر الحوثيون في تصعيد التوترات مع المملكة العربية السعودية، ربما من خلال استهداف البنية التحتية الحيوية أو المجتمعات الحدودية، للضغط على المملكة لدفع الاتفاق إلى الأمام.
ومع ذلك، فإن مثل هذه الإجراءات ستكون محفوفة بالمخاطر للغاية، خاصة بالنظر إلى الدعم المتوقع للسعودية من الرئيس القادم ترامب.
النهج العدواني
وأكد “ناشيونال إنترست”، أن النهج العدواني قد يأتي بنتائج عكسية؛ مما يعرض احتمالات التوصل إلى اتفاق في وقت قريب للخطر وربما يدفع السعوديين إلى موقف أكثر ميلاً إلى الأمام في التحالف المناهض للحوثيين.
كما اكتسبت القوات المناهضة للحوثيين في اليمن زخمًا جديدًا.
في حين بدا قبل بضع سنوات فقط أن الاتفاق من شأنه أن يمثل بداية لعملية من شأنها إما إضعاف القوات المناهضة للحوثيين بشدة أو حتى تؤدي إلى زوالها في اليمن، فإن المخاطر التي يفرضها الوجود الحوثي المتوسع في شبه الجزيرة العربية أصبحت واضحة للجميع اليوم.
ونتيجة لذلك، من المرجح أن تتلقى القوات اليمنية التي تقاتل ضد الحوثيين الاستثمار الإضافي والأسلحة والتدريب الذي سعت إليه منذ فترة طويلة دون جدوى.
في حين قد يفكر الحوثيون في التحول إلى مسرح مختلف لتسخير زخمهم من أجل تحقيق أهدافهم، فإنهم قد يضطرون إلى اتخاذ خطوات أخرى.
وعلى الرغم من نجاحاتهم غير المتوقعة على الجبهتين البحرية والإسرائيلية، فإنهم يبدو الآن راسخين في مسارهم الحالي دون بديل واضح.
ورغم أنهم قد لا يحتاجون إلى بديل عاجل، فإن المسار الحالي المتمثل في مهاجمة إسرائيل والشحن في البحر الأحمر من غير المرجح أن يعزز المصالح الأساسية طويلة الأجل للنظام، بما في ذلك تأمين مصادر الإيرادات الموثوقة، وضمان استقرار النظام، وتوليد الدعم الشعبي.
خطأ استراتيجي
وهناك مزاعم بأن الحوثيين لديهم حافز مالي لمواصلة القرصنة في البحر الأحمر من خلال فرض رسوم المرور الآمن على شركات الشحن التي تسعى إلى إرسال السفن عبر باب المندب؛ وإذا حدث هذا على الإطلاق، فمن المرجح أن يكون على نطاق أصغر بمقدار مرتين أو ثلاث مرات من المبلغ الذي ادعت التقارير.
وفي غضون ذلك، تتسبب الاستجابات الأميركية والإسرائيلية للهجمات الحوثية، بما في ذلك استهداف احتياطياتها النفطية وغيرها من الأصول القيمة، في إحداث أضرار للنظام تقدر بمئات الملايين.
وقد يقضي الحوثيون الأشهر القليلة المقبلة في اختبار خيارات مختلفة، وقد يستمرون في هجماتهم على إسرائيل وحركة الملاحة البحرية في البحر الأحمر، وقد يصعدون الضغوط ضد المملكة العربية السعودية والقوات المناهضة للحوثيين في اليمن لقياس مدى قوة الرد.
ومع ذلك، يبدو من المرجح أنهم سيواجهون مقاومة كبيرة على جميع الجبهات، مما يضطرهم إلى الاختيار بين أفضل الخيارات أو الخيارات السيئة إذا كانوا يريدون الحفاظ على الاحتكاك اللازم لتبرير نظامهم، وهذا لا يعني أن التعامل مع مشكلة الحوثيين سيكون بسيطًا أو رخيصًا أو سريعًا.
ويمكن أن يوفر هذا التحليل نظرة ثاقبة إضافية للحسابات الاستراتيجية للجماعة، والتي تعمل كتذكير بأن إسرائيل ليست وحدها التي تواجه معضلات استراتيجية في هذا الصراع.
لذا فإن ضمان مواجهة الحوثيين لمقاومة حازمة لجميع مغامراتهم الإقليمية من شأنه أن يجعل معضلات الحوثيين الاستراتيجية أكثر صعوبة.