في أعقاب الهجوم الأخير الذي نفذته الفصائل المسلحة بقيادة هيئة تحرير الشام على مناطق في مدينة حلب، عاد الحديث مجددًا عن زعيم الهيئة أبي محمد الجولاني، الذي بات منذ سنوات محورًا رئيسيًا للنقاشات المتعلقة بمستقبل الشمال السوري.
وبينما ينظر البعض إلى الجولاني باعتباره القائد الفعلي وصاحب القرار داخل الهيئة، يشكك آخرون في مدى استقلاليته، مشيرين إلى تأثيرات داخلية وخارجية محتملة توجه قراراته.
الهجوم الذي وقع قبل أيام، استهدف مواقع استراتيجية في ريف حلب الشمالي، وأسفر عن مقتل وإصابة العشرات من المقاتلين والمدنيين، فضلاً عن تصعيد عسكري متبادل بين هيئة تحرير الشام والفصائل المدعومة من تركيا.
ورغم أن الهجوم جاء في سياق توترات مستمرة بين الأطراف المتصارعة في الشمال السوري، إلا إن تنفيذه بهذا التوقيت أثار تساؤلات حول أهداف الهيئة ودوافعها الحقيقية.
خلفية الجولاني
الجولاني، الذي قاد هيئة تحرير الشام منذ تأسيسها، يتمتع بسجل حافل من التحولات الفكرية والعملية، فمنذ انشقاقه عن تنظيم داعش في 2013 وإعلان تأسيس “جبهة النصرة” ثم هيئة تحرير الشام لاحقًا، حرص على تقديم نفسه كرجل براغماتي يتعامل بواقعية مع متغيرات الساحة.
قالت صحيفة “بوليتيكو” الأميركية: إن تركيا كانت على علم مسبق بالهجوم، مضيفة “بل وأمرت بتأجيله وتغيير توقيته”.
ووفق المصدر، فإن أنقرة تدعم جماعات مسلحة سورية، وتسعى من خلال تحالفاتها إلى ضرب القوى الكردية في المنطقة، مما يعكس البُعد الجيوسياسي للصراع السوري.
دور تركيا
واستبعد كل المراقبين فرضية حدوث الهجوم على حلب “دون علم أنقرة وموافقتها”.
وأبرزت “بوليتيكو”، أن الاستعدادات على الهجوم كانت جارية منذ العام الماضي، وهي استعدادات شاركت فيها هيئة تحرير الشام، فضلًا عن أكثر من 12 فصيلًا في القوات التي ترعاها تركيا، والتي تستهدف إلى حد كبير الوحدات الكردية.
وأوضحت، أنه “من الصعب التنبؤ بعواقب الصراع المستعر”، مشيرة أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان “يمسك بالعديد من الخيوط.. ولكن في حال فلتت إحداها من يديه فهي مسألة أخرى”.
وترى الصحيفة الأميركية، أن “الرئيس التركي لا يريد أن تخرج الأمور عن السيطرة”، خاصة في ظل تساؤل الكثيرين عن مدى قدرة داعمي التنظيمات المتطرفة على إيقافها والسيطرة عليها.
وتعتبر أيضًا أن الهجوم على حلب يعد جزءًا من الضغط التركي على سوريا، بهدف تحقيق تسوية سياسية للحرب، تشمل إمكانية عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم.
الهجوم الأخير لا يمكن فصله عن السياق الإقليمي والدولي. فالتطورات في الحرب الأوكرانية، والتوترات المتصاعدة بين الولايات المتحدة وروسيا، تلقي بظلالها على الملف السوري.
تركيا قد ترى في الهجوم محاولة من الجولاني لإعادة تموضعه ضمن المعادلة الإقليمية، خاصة مع تزايد الحديث عن انسحاب أمريكي تدريجي من المنطقة، واحتمالات تسوية سياسية بين النظام السوري وتركيا.
من جهة أخرى، قد تكون الهيئة تسعى لتأكيد نفسها كقوة عسكرية ما تزال قادرة على المبادرة، في ظل المنافسة الشرسة مع الفصائل الأخرى.