أثناء انقسامات وخلافات الإخوان السياسية الطاحنة، اشتعلت أزمات اقتصادية أخرى فتكت بالتنظيم، الذي يعتمد على التجارة واستغلال الثغرات في “الاقتصاد العالمي” لتمويل أنشطته الإرهابية حول العالم.
وهو ما كشفته دراسة حديثة لمركز تريندز للبحوث والدراسات، تحت عنوان “اقتصاد جماعة الإخوان ومدى تأثره بأزمات رأس المال المُعولم”، إذ بحثت في تأثر اقتصاد الإخوان بالنظام الاقتصادي والمالي العالمي، وأكدت على أنّ اقتصاد الإخوان اقتصاد مُعولم، حيث إنّه منذ تأسيس حسن البنا (أواخر عشرينيات القرن المنصرم) لشركة المعاملات المالية ركز الإخوان على التجارة والتداول على حساب الإنتاج، وجنوح الإخوان للعمل في التجارة والمضاربات والابتعاد عن المشاريع الإنتاجية جعلها جزءاً من النظام الاقتصادي العالمي.
وأوضحت أنّ الاقتصاد الإخواني يعتمد في الوقت الراهن على عدة مصادر؛ أهمها تركيز الأنشطة الاقتصادية في مجالات خفية، كتجارة العملة والمضاربة عليها والتهريب، وقد قام بعض تجار الإخوان في مصر في ديسمبر 2015 بإخراج الدولار من البلاد مقابل معدل ربح يبلغ 5%، حيث لجأ التجار للعمل في أنشطة متنوعة كتجارة السيارات والأراضي والذهب بهدف تجميع الدولار وتخزينه.
وتابعت أن تجارة العملة تعد مصدراً أساسيّاً لتمويل أنشطة الإخوان، وخصوصاً بعد نجاحهم في خلق مناخ آمن لتداول أموالهم داخلياً وخارجياً بعيداً عن رقابة البنوك والحكومات، كما أنّ عدداً من المنتمين للإخوان قاموا بشراء الدولار من المصريين العاملين في الخارج مقابل تسليمهم الثمن بالجنيه في مصر بأسعار مبالغ فيها، وساهم ذلك بتهديد الاقتصاد المصري.
وفي السودان، سيطر الإخوان على بعض المناجم، وقاموا بتهريب كنوزها ساحلياً، وحققوا بفعل ذلك ثروات طائلة تمركزت في النخب الاقتصادية للإخوان.
وفي مصر، عمل الإخوان في تجميع البضائع المهربة وبيعها من خلال عرضها من قبلهم في الأسواق التي تُقام أسبوعياً.
ولم يقتصر الأمر على تهريب البضائع، فقد شمل أيضاً تهريب المتطرفين نظير مقابل مادي يصل إلى 60 ألف جنيه، إذ يقوم الإخوان بعملية غسل الدماغ والإعداد النفسي والتربوي والعسكري للمجموعات التي يتم شحنها إلى مناطق الصراع.
ورغم رواج التجارة المشبوهة، خُصص ما حققه الاقتصاد الإخواني في ضوء التهريب من مكاسب مالية أغلبه للنخب الاقتصادية الإخوانية، وساهم ذلك في بروز إسلامية سلطوية نيوليبرالية، وقد حمت الجماعة استثماراتها من خلال شراكة رجال أعمال من غير المنتمين للجماعة، وذلك حتى لا تتعرض أموالها وممتلكاتها للمصادرة، وفق الدراسة ذاتها.
كما أشارت الدراسة إلى أنّ جماعة الإخوان استفادت من رأس المال المُعولم من خلال تعزيز قدراتها المالية عبر المضاربة في البورصات الأجنبية في نيويورك ولندن وطوكيو، ومن أبرز رجال أعمال الإخوان في منظومة رأس المال المعولم يوسف ندا مؤسس بنك التقوى للمعاملات المالية، وقد صنفته الولايات المتحدة الأمريكية بأنّه مؤسسة مالية تدعم الإرهاب.
واعتمد التنظيم على النظم المالية المرنة في الولايات المتحدة الأمريكية لإدارة التدفقات المالية وتنميتها من خلال الاستثمارات في مختلف الأنشطة التجارية والعقارية، وضخ الأموال لفروع التنظيم على امتداد دول العالم، ولم تعد الجماعة مجرد منظمة، بل أصبحت مرتبطة بشبكات معقدة من المصالح والجماعات المتطرفة التي مكنتها من تأسيس شبكات لنقل وتهريب الأموال.
وذكرت أنّ اقتصاد الإخوان ارتبط برأس المال المُعولم مع وجود حدود لهذا الارتباط يُمكن إبرازها في اقتصاد الحلال، ولا تقتصر تجارة الحلال على المأكولات، بل ضمت قطاعات أخرى؛ مثل: أدوات التجميل والأدوات المنزلية والطبية، والسياحة والقطاع المصرفي، وبُحكم سيطرة الإخوان على مؤسسات منح ترخيص اللحوم الحلال في أوروبا فإنّها مقابل ذلك تَجني ملايين الدولارات التي تُستخدم في تمويل التنظيم الدولي للإخوان.
كما تنامى عدد شركات الأوف شور، وذلك للاحتماء بالنظام الاقتصادي العالمي، وتعتبر تلك الشركات جزءاً لا يتجزأ من قدرة الإخوان على إخفاء ونقل الأموال حول العالم، حيث تمتاز هذه الشركات بالغموض؛ لكونها بعيدة عن الرقابة.
ورغم ما يُنشر من تقديرات حول حجم اقتصاد الإخوان، إلا أنّه من الصعب تحديد حجم اقتصادهم، وذلك لأنّه يُعتبر ضمن أسرار الجماعة التي حافظت عليها لعقود، وفقاً للدراسة.
وحول مستقبل اقتصاد الإخوان، ترى الدراسة أنّ الاقتصاد الإخواني لا يمكن أن ينهار بشكل كامل، برغم ما يمرّ به الاقتصاد العالمي من أزمات وتحديات، بسبب ما يمتلكه من مكامن قوة من حيث البناء الاقتصادي وتعدد مصادر التمويل والاستثمارات المتعددة، موضحة أنّ ما يظهر من ثروات وأموال للإخوان لا يزيد على كونه الجزء الظاهر من جبل الثلج الذي يختفي معظمه تحت الماء.
وتوقعت الدراسة استمرار الاقتصاد الإخواني برغم تأثره بأزمات الاقتصاد العالمي، لكنّه سيتعرّض للمزيد من الأزمات وبشكل دوري، شأنه في ذلك شأن النظام الاقتصادي العالمي، الذي يحمل في ثناياه ديناميات الأزمة، وذلك بفعل الطابع الطفيلي لاقتصاد الإخوان.