على مدار الأعوام الأخيرة تلقت جماعة الإخوان ضربات قوية عديدة، سواء على الساحة العالمية أو العربية وإدراج بقوائم الإرهاب ورفض شعبي واسع والكشف عن الجرائم العديدة الخفية ومن ثم الإطاحة بعدد كبير من قادتها، كما أن الأمر لم يخل من الصراعات الداخلية التي ولدت انشقاقات جمة وأحداثا متصارعة تنبئ بقرب كتابة شهادة وفاة التنظيم الدولي نهائيا.
وفاقم قادة التنظيم الدولي من محمود حسين وإبراهيم منير قبل رحيله من الأزمات داخل الجماعة، والتي لم تنتهِ بوفاته وتزايدت حتى وصلت إلى المطالبات بضرورة تشكيل مكتب إرشاد جديد، إذ اتسعت دائرة الصراع بين إخوان مصر مما يُثير مخاوف قيادات الخارج، من ظهور تيارات أو مجموعة صغيرة جديدة، غير الجبهات الثلاث المتصارعة على قيادة التنظيم، وهي لندن، وإسطنبول، وتيار الكماليين.
وهو ما ظهر بعد نشر شباب من الموالين لجبهة لندن رسالة طالبوا فيها بمطالب لضمان عودة التنظيم من جديد وتجاوز الخلافات بين قياداته، ومن بينها تشكيل مكتب إرشاد جديد للتنظيم يكون بتوافق من عناصر الإخوان، وإعداد لائحة جديدة لا تُجامل مجموعة على حساب أخرى وتضع حلولاً للمشاكل الداخلية للتنظيم، وحصر أموال التنظيم وتقنينها رسمياً مما لا يدَع مجالاً لإيداعها مع أفراد بعينهم.
وكان مصدر صحافي أشار لوكالة أنباء آسيا إلى أن جبهة لندن توافقت على تسمية القيادي الإخواني صلاح عبد الحق في منصب القائم بأعمال مرشد التنظيم؛ لكن تم تأجيل الإعلان رسمياً لحين الحصول على بيعة للقائم بالأعمال الجديد من الأطراف كافة.
كما أشار المصدر إلى أن عبد الحق حسب مقربين منه تعامل مع رسالة الشباب الأخيرة بتدشين مكتب إرشاد جديد بعدم اهتمام؛ لكنه حاول استرضاء الشباب كنوع من المجاملة وليس لتنفيذ مطالبهم.
بعد وفاة إبراهيم منير، القائم بأعمال المرشد سابقاً، في 4 نوفمبر الماضي، حددت جبهة لندن مهلة شهر لإعلان القائم بأعمال المرشد الجديد، وكذا الأمور الإدارية كافة للتنظيم. وقالت جبهة لندن حينها: إن محيي الدين الزايط سوف يشغل منصب القائم بأعمال المرشد بشكل مؤقت، لكن في المقابل أعلنت جبهة إسطنبول تعيين محمود حسين قائماً بأعمال المرشد.
فيما اعتبر خبراء أن حجم الصراعات الكبير بين جبهات الإخوان يثبت مدى تفاقم الأزمة الداخلية، خاصة أن شباب الخارج لديهم ملفات كثيرة يريدونها من صلاح عبد الحق في هذا التوقيت، مثل أوضاعهم الخارجية، إذ إن بعض شباب الإخوان يرون أن قيادات التنظيم في الخارج مستمرة في التخلي عنهم، وانشغلت فقط بالخلافات والصراع على المناصب.
ويرى مراقبون أن جميع السيناريوهات مطروحة حول مشهد الصراع الحالي داخل الإخوان، بما
يلمح إلى احتمالية ظهور تيارات أو مجموعات صغيرة جديدة، ما دام لا يوجد مشروع سياسي وقيادة تحسم جميع هذه الصراعات، فضلاً عن تحكم المصالح الشخصية في التنظيم، وكل تيار من التيارات المتصارعة يحاول أن يحافظ على مكتسباته، فالتنظيم لم يشهد طوال تاريخه انقسامات مثل التي يشهدها الآن.
وأفادت مصادر بأن معظم شباب التنظيم في الخارج اضطُروا إلى الانضمام لتيار الكماليين، ويرون ضرورة التمرد على أوضاع التنظيم الحالية؛ حيث يرى هؤلاء الشباب أن قيادات (لندن) و(إسطنبول) خرجت عن خط التنظيم الذي رسمه حسن البنا مؤسس الإخوان، وسيد قطب مُنظر التنظيم، وأنه لا بد للتنظيم أن يأخذ مساراً بعيداً عن هذه القيادات.
وظهر أول خلاف بين شباب تنظيم الإخوان في الخارج وقيادات الخارج، خاصة المقيمة في إسطنبول في فبراير عام 2019، عقب ترحيل الشاب محمد عبد الحفيظ المحكوم عليه بالإعدام في قضية استهداف النائب العامّ المصري الأسبق إلى مصر.
وفي إبريل 2021 عقب الحديث عن التقارب المصري – التركي، أبدى بعض شباب التنظيم الصادرة بحقهم أحكام قضائية بمصر تخوفات من الترحيل للقاهرة، خاصة مَن ليس لديهم دعم من قيادات جبهة إسطنبول.
وسبق الصراع بين جبهتي لندن وإسطنبول على منصب القائم بأعمال المرشد، خلافات كثيرة خلال الأشهر الماضية، عقب قيام إبراهيم منير بحلّ المكتب الإداري لشؤون التنظيم في تركيا، وتشكيل هيئة عليا بديلة عن مكتب إرشاد الإخوان، وتبع ذلك تشكيل جبهة لندن، ومجلس شورى جديد، وإعفاء أعضاء مجلس شورى إسطنبول، ومحمود حسين من مناصبهم.