يبدو أن دولة باراغواي عازمة بقوة على مواجهة حاسمة مع الإخوان المسلمين وقطع أي أذرع لهم بالبلاد وتوسيع إجراءاتها دوليا أيضا؛ إذ أعدَّت مشروع قرار لتصنيف جماعة الإخوان المسلمين كمنظمة إرهابية على أساس “مساعدتها الأيديولوجية للأشخاص الذين يلجأون للعنف، ويهددون الاستقرار والأمن، سواءً في الشرق أو في الغرب”.
والأسبوع الماضي، أعلنت باراغواي إدراج جماعة الإخوان المسلمين بقائمة الإرهاب، باعتباره تنظيما ينتهك السلم المحلي ويهدد الأمن والاستقرار الدوليين، وجاء ذلك خلال اجتماع اللجنة الدائمة بكونغرس باراغواي التي وافقت على اعتبار الإخوان “تنظيما إرهابية يهدد الأمن والاستقرار الدوليين، ويشكل انتهاكا خطيرا لمقاصد ومبادئ الأمم المتحدة”، وذلك ضمن مشروع قرار تقدمت به ليليان سامانيغو، رئيسة لجنة الشؤون الخارجية بالكونغرس المكون من 45 عضوا.
كما تدرج باراغواي بالفعل حركة حماس، وميليشيا حزب الله الإيرانية، وتنظيمي القاعدة وداعش، كجماعاتٍ إرهابية، وتعتزم معاملة جماعة الإخوان المسلمين بشكلٍ كامل بالطريقة نفسها.
يُذكر أن جماعة الإخوان المسلمين، التي تأسست في مصر عام 1928، هي اللبنة الأساسية للحركة الإسلاموية. وقد صنّفها عددٌ من الحكومات العربية، البحرين ومصر والمملكة العربية السعودية وسوريا والإمارات العربية المتحدة، وكذلك روسيا وكازاخستان وطاجيكستان والسلطات في شرق ليبيا، منظمة إرهابية.
وفكرت الولايات المتحدة، غير مرة، في إعلان جماعة الإخوان المسلمين منظمة إرهابية أجنبية، وعلى الرغم من أنه نادرًا ما يُنظر إلى أميركا الجنوبية على أنها مركز نشاط للمنظمات الإسلاموية، فإن نصف الكرة الغربي كان مسرحًا مهمًا للدعوة الإسلاموية والتجنيد وحتى الإرهاب لبعض الوقت.
ووثّق جيوفاني جياكالوني هذا الوضع في تقريرٍ مفصّل لموقع “عين أوروبية على التطرف” العام الماضي، إذ أكد أن التطرف الإسلاموي موجود في أميركا اللاتينية منذ حوالي أربعة عقود، في ظل وجود متزايد من النشاط الذي تسهم فيه سلسلة من العوامل، مثل الفساد المستشري، والحكومات الصديقة للإسلامويين مثل تلك التي تنتمي إلى مجموعة “التحالف البوليفاري للأميركتين” (ألبا)، وإمكانية استغلال شبكات الاتجار غير المشروع، خاصة المخدرات وغسل الأموال، وعدم وجود قوانين مناسبة لمكافحة الإرهاب.
كما أن التنظيم الإسلاموي الطليعي في أميركا اللاتينية هو بلا شك حزب الله، الذي كان حاضرًا ويعمل منذ أوائل الثمانينيات… ومع ذلك، فإن حزب الله ليس المنظمة الإرهابية الوحيدة التي وجدت ملاذًا آمنًا في أميركا اللاتينية. ذلك أنه ابتداءً من التسعينيات، وجدت العديد من الجماعات الأخرى مثل الجماعة الإسلامية المصرية، والجهاد الإسلامي الفلسطيني، والقاعدة، ومؤخرًا داعش، موطئ قدم في أميركا اللاتينية.
وذكر التقرير أنه تنشط جماعة الإخوان المسلمين في معظم دول أميركا اللاتينية، خاصة في المكسيك والبرازيل والأرجنتين وبيرو… وهناك قلق متزايد في البرازيل بشأن انتشار السلفية بين سكان الأحياء الفقيرة.
ورغم أن باراغواي مكان غير مرجح أن تقيم جماعة الإخوان المسلمين موطنًا، حيث لا يوجد سوى 35,000 مسلم في باراغواي، معظمهم من سوريا ولبنان، من أصل أكثر من سبعة ملايين نسمة (أي أقل بكثير من 0.1 في المائة)، لكن من ناحيةٍ أخرى، تقع باراغواي في وسط الحدود الثلاثية، حيث تتقاطع حدودها غير الواضحة مع الأرجنتين والبرازيل.
وتعد هذه المنطقة التي تعاني من غياب القانون هي مركز نشاط للعديد من الشبكات الإجرامية؛ ما جعلها خيارًا مثاليًا لإيران عندما بدأت في إنشاء شبكاتها في أميركا اللاتينية بعد الثورة الإسلامية عام 1979: في ظل ضعف رقابة الدولة، يستطيع نظام الملالي العمل مع العصابات الإجرامية، ومن خلالها، لنقل الأفراد والأسلحة والمال عبر الحدود وحول العالم أثناء تقدمه نحو الولايات المتحدة القارية. الجماعات الإسلاموية الأخرى، مثل جماعة الإخوان، التي حذَت حذو حزب الله، وجدت أيضًا المنطقة بيئة ملائمة للأسباب ذاتها.
وفي الآونة الأخيرة، أظهرت البيئة الجيوسياسية في أميركا الجنوبية بعض الاتجاهات السلبية للغاية. لطالما انتهجت الحكومات الاشتراكية القديمة في نصف الكرة الغربي -فنزويلا وكوبا وبوليفيا ونيكاراجوا- سياساتٍ مؤيدة للإسلامويين، لاسيّما تجاه إيران، وشهدت حركة “المد الوردي” الأخيرة تولي حكومات مماثلة مقاليد السلطة في كولومبيا وتشيلي والبرازيل والأرجنتين والمكسيك.
وهكذا، تقف باراغواي الآن كجزيرة في خضم هذا المدِّ الوردي. ويؤمَل أن يصبح قرارها المتمثل في اتخاذ إجراءاتٍ صارمة ضد جماعة الإخوان المسلمين، ووكلاء عدم الاستقرار المتطرفين المماثلين، نموذجًا يحتذي به الآخرون.