على مدار الأيام الأخيرة، وتحديدا منذ عودة ممدوح حمزة إلى القاهرة من لبنان بعد فترة غياب استمرت لـ 3 أعوام، يحاول أفراد تنظيم الإخوان الهاربون الرجوع إلى مصر مجددا، في ظل قرارات العفو الصادرة مؤخراً، إذ تم وضع أغلبهم على قوائم الإرهاب منذ أكثر من 8 أعوام، وهو ما يبذل له أفراد الجماعة جهودا مضنية لأجله.
بينما أكدت مصر مراراً موقفها الرسمي الرافض تماماً للمصالحة مع عناصر التنظيم الإرهابي، وتمسّكها بإجراء محاكمات عادلة لجميع المتورطين بدعم الإرهاب، إلا أنّ قيادات التنظيم الإرهابي لم يتوقفوا عن استجداء العودة على مدار العامين الماضيين، لا سيّما في ضوء طرح القائم بأعمال المرشد الراحل إبراهيم منير إمكانية اعتزال الجماعة للعمل السياسي في مصر نهائياً، مقابل إجراء بعض التفاهمات التي تشمل إفراجاً عن عدد من المحبوسين.
فيما اعتبر مراقبون أن مطالب عودة قيادات التنظيم، أسوة ببعض عناصر المعارضة السياسية في الخارج، قدراً كبيراً من المغالطة؛ لأنّ السلطات المصرية تضع معياراً أساسياً في تفاهماتها مع قوى المعارضة، أهمها هو عدم توجيه أيّ اتهامات إرهابية، أو “غير الملطخة أيديهم بالدماء”، وهو شرط لا ينطبق على قيادات التنظيم الهاربين في الخارج والمتهمين جميعاً في قضايا دعم وتمويل وتنفيذ عمليات إرهابية.
ويرون أنّ الترحيب من جانب “جبهة لندن” بعودة ممدوح حمزة على لسان القيادي بالجبهة حلمي الجزار، لم يكن أمراً مستغرباً، ويأتي في إطار محاولات الجبهة المستمرة لمغازلة الدولة المصرية، إذ تأمل الجماعة في حدوث انفراجة تضمن تحقيق الحد الأدنى من مطالب الإخوان الراهنة المتمثلة في العودة إلى المشهد المصري بأيّ صيغة، عقب إدراكهم لتوازنات القوى الحالية، بخلاف جبهة إسطنبول، وكذا جبهة الكماليين.
ويبدو أنّ مساعي الإخوان لمغازلة الدولة المصرية تقوم من جانب على نهج براغماتي دأبت الجماعة على تبنّيه على مدار تاريخها، ومن جانب آخر على عدم قراءة واقعية لخطوة عودة ممدوح حمزة إلى مصر.
فيما أشاروا إلى أن خطوات الدولة المصرية فيما يتعلق بعودة بعض عناصر المعارضة من الخارج بالأساس على التفرقة بين معارضين سياسيين لم يتورطوا في الدم أو يحرضوا على العنف، وجاءت في إطار الانفتاح الذي تسعى الدولة المصرية لتحقيقه مع كل أبنائها من الأطياف المعارضة المدنية التي لم تنتهج العنف، وهو الانفتاح الذي تجسّد في العديد من الخطوات التي صاحبت إطلاق الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، مثل تفعيل لجنة العفو الرئاسي، وإطلاق سراح المئات من المحبوسين احتياطياً، والسماح بعودة بعض المعارضين من الخارج.
ويراهن تنظيم الإخوان، وخاصة جبهة لندن تراهن بشكل كبير على بعض المعارضين المدنيين الذين لم ينخرطوا في العنف، من أجل التوسط بينهم وبين الدولة المصرية، وهو ما عكسته بعض التقارير الإعلامية التي أشارت إلى تواصل الجبهة في الفترات الأخيرة مع المهندس ممدوح حمزة لتحقيق هذا الهدف، وهو نهج براغماتي يعبّر عن إدراك الجماعة لحالة الهزيمة التي مُنيت بها، لكنّ هذه الفرضية تبقى مستبعدة، في ضوء ثوابت الدولة المصرية في هذا الملف؛ إذ إنّ الدولة تفتح يديها لمن لم يتورط في العنف أو الإرهاب، وعلى قاعدة الاعتراف بدستور 2014 وثورة 30 يونيو، فضلاً عن أنّ تنظيم الإخوان نفسه مهترئ في الفترة الراهنة، ومنقسم إلى عدة تنظيمات، وهي حالة يصعب معها تبنّيه لأيّ مبادرات سياسية أو انخراطه فيها حتى في الظروف الطبيعية.
وترفض الدولة المصرية بشكل عام التعامل مع جماعة الإخوان باعتبارها حزباً أو كياناً سياسياً معارضاً، ولطالما أوضحت المغالطات بهذا الصدد، معتبرة على لسان عدد من المسؤولين والخبراء أنّ الجماعة تمّ تصنيفها على قوائم الإرهاب وفق حكم قضائي، ومارست العشرات من عمليات العنف التي استهدفت مؤسسات الدولية المصرية، وكذلك الشخصيات العامة في أعقاب سقوط جماعة الإخوان عن الحكم في عام 2013.
وكان حلمي الجزار القيادي في الجماعة، الذي يتنقل ما بين بريطانيا وتركيا، قد قال عبر “تويتر” إنّه “يرجو أن تسهم عودة ممدوح حمزة في تحقيق آمال من وصفهم بالمهاجرين في العودة إلى وطنهم، وطالب القيادي الآخر بالجماعة قطب العربي المقيم في تركيا السلطات بالسماح لهم ولكلّ عناصر الإخوان بالعودة التي وصفها بالكريمة إلى بلدهم”.
وتراهن جبهة لندن بشكل كبير على بعض المعارضين المدنيين الذين لم ينخرطوا في العنف، من أجل التوسط بينهم وبين الدولة المصرية، وهو نهج براغماتي يعبّر عن إدراك الجماعة لحالة الهزيمة التي مُنيت بها.