منذ الإعلان عن تعيين صلاح عبدالحق مرشدا عاما قائمًا بالأعمال خلفا لإبراهيم المنير، زادت الانقسامات بالجماعة خاصة بين صفوف الشباب، رغم أن القرار جاء بعد مناقشات سرية صعبة وزيارات عديدة بين جبهات الإخوان المتناحرة، لكن من الواضح أن ذلك الاختيار باء بالفشل.
وكشف اختيار صلاح عبدالحق فشل المفاوضات بين جبهتي لندن وإسطنبول، لطرح أي من الشخصيات البارزة في الجبهتين ليقود الإخوان سواء محمود حسين من جبهة إسطنبول والذي نصب نفسه مرشدا عاما، أو حلمي الجزار من جبهة لندن، بسبب تمسك محمود حسين بأحقيته في قيادة الجماعة، مقابل إصرار جبهة منير على طرده.
اختيار عبدالحق، جاء رغم رفض جبهة محمود حسين قرار جبهة لندن، تحت زعم أنها غير شرعية ومخالفة للائحة، ويعتبر صلاح عبدالحق عضو تنظيم 1965، والمتهم رقم 33 في القضية الأولى مع سيد قطب وقيادات التنظيم، وهو من جيل محمد بديع المرشد العام ومحمود عزت ومحمد البحيري ومحمد عبدالمعطي الجزار، ومؤيد للاتجاه القطبي ويؤمن بـ”جاهلية المجتمع” والتغيير بالقوة المسلحة.
وفي أعقاب ذلك أعلن شباب التنظيم تمرداً جديداً بسبب اختيار صلاح عبد الحق، بسبب أسلوب التعيين في التنظيم عن طريق وصيّة الراحل إبراهيم منير، وليس عن طريق الانتخاب المباشر، ومن المتوقع أن يشهد التنظيم تصعيداً شبابياً في القريب العاجل، خاصة في ظل محاولة الضغط عليهم محلياً وخارجياً.
كما رفض شباب الإخوان أيضا عبدالحق لكونه تعدّى الثمانين من عمره، فضلاً عن كونه ينتمي لمدرسة عقيمة في التفكير لا تُناسب مستحدثات الواقع، بينما يبذل قادة الجماعة جهودا لتهيئة صف الإخوان لهذا الاختيار عبر إقناع قطاعات الشباب داخل التنظيم، ورغم أنها بذلت جهوداً في هذا السياق ولكنها واجهت عاصفة رفض، ما يرجح حدوث انشقاق جديد داخلها، ولكن هذا الانشقاق سوف يحدث داخل جبهة إبراهيم منير، وليس داخل التنظيم بين الجبهتين الكبيرتين، وهو ما نعده انشقاقا على الانشقاق الحادث، وفق منير أديب.
فيما يبذل أيضا قادة التنظيم تحييد الشباب وعدم الدخول معهم في خلافات، لكنه يقمعه في حال التمرد، ثم يقوم بتأسيس مجموعات شبابية محافظة مهمتها مواجهة مجموعات الشباب الأخرى، التي تتطلع إلى دور لها داخل الهياكل التنظيمية حتى يبدو أنّ المعركة أو الخلاف، في حال حدوثه، بين الشباب وبعضهم، وليس بين التنظيم والقطاع الكبير من الشباب، وهو ما ينبئ بانشقاق الجبهات المنشقة على نفسها.
كما حاول الإخوان في الجبهات المنشقة تعيين بعض الشباب في مناصب كمتحدثين إعلاميين، وهذا من قبيل الوجاهة فقط، فمثل هذا المنصب لا يتمتع صاحبه بأي صلاحيات تنظيمية، وذلك كمحاولة لتأجيل الصدام المتوقع مع القطاع الكبير من الشباب، وفق أديب.
وللضغط من أجل ذلك، استغل تنظيم الإخوان المساعدات المادية لشباب الجماعة في الخارج، فمنع عنهم وعن أسرهم هذا الدعم، فضلاً عن فصله بعض الشباب غير الموالين له، كما بدا ذلك واضحاً في منصات إعلامية تخضع لجبهة محمود حسين أو جبهة إبراهيم منير، حيث تجنّد كل جبهة العاملين في منصاتها ليكونوا تابعين لها في الصراع الدائر داخل الجماعة.
يذكر أن المرشد الجديد متهم في قضية تنظيم سيد قطب رقم 33، فيما كان لا يزال طالبا في كلية الطب جامعة عين شمس، وحكم عليه -آنذاك- بعشر سنوات سجنا قضاها، ثم سافر لسلطنة عمان في بداية مرحلة انتشار الإخوان بالخليج، ثم استقر في السعودية فترة طويلة.
كما ينتمي لجيل الستينيات فلقد حضر محنة السجن (في عرف الإخوان)، ويمتاز بمحاضراته التربوية والدعوية، ولم يُعرف عنه توليه مناصب إدارية عليا في التنظيم، وهو عضو مجلس شورى الجماعة ولم ينخرط في أي صراع على القيادة أو على الأموال.
بينما لم يُعرف عنه رأي فقهي أو سياسي مخالف لاختيارات الجماعة، وتولى بعض الأعمال التربوية في التنظيم الدولي، ولم يعترف بأخطاء الجماعة ولم يراجع أفكاره، وتولى أعمالا تربوية ودعوية لعناصر الإخوان، والتي يتم فيها ترسيخ مبادئ الجماعة وثوابتها.
ويعتبر صلاح عبدالحق من منظري الإخوان المسلمين ومؤرخيهم ومسؤول التربية بالتنظيم، والرئيس الأسبق لجهاز التربية في التنظيم العالمي، وكان اختياره بهذا المنصب بسبب وصية المدعو إبراهيم منير والتزم بها مجلس الشورى التابع لجبهة إبراهيم منير.
ومن المرجح، وفقا للمراقبين أن يكون إبراهيم منير كتب هذه الوصية ليتفادى أي انشقاق يحدث في جبهته عقب وفاته على منصب القائم بأعمال المرشد، حيث فيما يبدو أنه كانت لديه شكوك حول حدوث خلافات بين محيي الدين الزايط، وحلمي الجزار، ومحمد البحيري حول المنصب.
ولم يتولى عبد الحق أي مناصب رفيعة المستوى داخل التنظيم، وهو كان مسؤول التربية داخل الإخوان، ولكن الصراع داخل جبهة لندن لن يهدأ باختيار عبد الحق، إذ سيوجد خلاف داخل جبهة لندن بسبب أن عبد الحق قد يكون شخصية توافقية؛ إلا أنه يفتقد للإدارة، فلم يتولَّ أي منصب إداري في التنظيم من قبل، وهو شخص قد يتسع صدره للجميع، وهذا قد يدفع بعض قيادات لندن إلى التدخل في مهامه، وإصدار قرارات باسمه، بحسب المراقبين.
ويرون أن منير اختار عبد الحق لأنه يشبهه في شخصيته، ولكنه سوف يعمّق الانقسامات داخل الإخوان بشكل عام وليس مجموعة لندن فقط، فهو شخص لا يتمتع بأي حس قيادي، ولم يعرف القيادة يوماً، لذا أصر إبراهيم منير على أن يقضي على التنظيم مرتين، مرة في حياته عندما فجر خلافاته مع عضو مكتب الإرشاد وأمين عام الجماعة محمود حسين، فانشق التنظيم نصفين، ومرة أخرى بعد وفاته، عندما أوصى باختيار قائم بعمل المرشد لا يتمتع بأي قدرات إدارية أو تنظيمية.كما أن صلاح عبد الحق، ليس لديه مشروع فكري ولن يكون قادراً على حسم أي خلاف داخل التنظيم، وهو ما سوف يُعطي مساحة أكبر للمتحلِّقين حول الرجل، وبالتالي سوف تتضارب القرارات داخل التنظيم، نظراً إلى عدم وجود قائم بعمل المرشد قادر على الضبط والحزم وفي الوقت نفسه شخصية الرجل غير مؤهلة للقيادة، وهو ما يجعل أكثر من قيادة تتدخل بالقرارات والتأثير فيها، وهو ما يزيد من الانقسام والتشظي.