على مدار عدة أعوام، ينضم إليها أيضا عام ٢٠٢٢، يشهد الاقتصاد التركي أزمات متفاقمة ومعاناة ضخمة زادت فيها الضغوطات بحياة الشعب؛ إذ تكافح تركيا لتحقيق النمو والازدهار المستدامين في ظل نظامها الرئاسي الحالي ولكن من دون أن تصل إلى مبتغاها.
ودفع ثمن هذا الوضع القلق العديد من الشباب، وخاصة المتعلمين جيدًا، للهجرة إلى الخارج، بينما من المرجح أن تزداد الاضطرابات الاجتماعية في الداخل، وانتهت أزمات ميزان المدفوعات السابقة في تركيا بتدخلات عسكرية أو انهيار أحزاب سياسية.
في موازاة ذلك من المحتمل حدوث تغيير سياسي ملحوظ إذا تم إجراء انتخابات حرة ونزيهة.
وأكد موقع “أحوال” التركي أن من سيخرج منتصرا في عام 2023، سواء كانت الحكومة الحالية أو تحالف المعارضة، سيواجه رياحا معاكسة قوية من الظروف الاقتصادية الدولية الصعبة والتوقعات الشعبية العالية بينما يحاولون إعادة الاقتصاد إلى المسار الصحيح.
وعلى مدى العقد الماضي، كانت تركيا على مسار هبوطي باطراد على الصعيدين الاقتصادي والسياسي، إذ بدأ التدهور في مؤشرات الاقتصاد الكلي في عام 2011، وأصبح واضحًا في عام 2013، وأدى إلى استبداد واضح في عام 2016، وتحول إلى أزمة اقتصادية في مارس 2018، وأصبح كسادًا كاملًا في مارس 2020، حيث ضرب الوباء الاقتصادات في جميع أنحاء العالم.
وخلال هذه الفترة الطويلة من الاضطراب، اتبعت الحكومة مجموعة من السياسات الاقتصادية المختلفة، كان معظمها غير متسق مع بعضها البعض، وأثبتت التغييرات المتكررة أنها تمثل تحديًا للشركات والمستثمرين على حدٍّ سواء، ومع ذلك، فإن جميع سياسات الحكومة لها سمتان رئيسيتان مشتركتان: تهدف إلى تعزيز النشاط الاقتصادي والحفاظ على السلامة المالية للنظام المصرفي.
فيما النظام الرئاسي الحالي، الذي يُزعم أنه فريد من نوعه بالنسبة لتركيا، يضع قدراً هائلاً من السلطة في يد الرئيس دون أي ضوابط وتوازنات فعالة، وتمت الموافقة على النظام بأغلبية ضئيلة في استفتاء في أبريل 2017 وتم تطبيقه رسميًا بدءًا من يوليو 2018.
ومع ذلك، عند تتبع تطور النظام، كانت نقطة البداية الأفضل هي يوليو 2016، بعد محاولة الانقلاب الفاشلة في يوليو.
وفي 15 سبتمبر، بدأ الرئيس رجب طيب أردوغان في سن مراسيم كاسحة دون النظر في صحتها الدستورية.
بشكل عام، يمكن القول إن النظام الرئاسي في ظل حكم أردوغان كان له تأثير كارثي على المؤسسات الاقتصادية التركية واتخاذ قراراتها، ولكن أدى عدم الاتساق وعدم اليقين المستمر وضعف الاتصال والأخطاء المتكررة إلى فقدان الثقة من قبل جميع الفاعلين الاقتصاديين – المحليين والأجانب، الأفراد والشركات على حد سواء.
ويخرج كثير من المراقبين والمحللين إلى أنه بدون إجراء إصلاح شامل للنظام ومسؤوليه، لا توجد فرصة لتحقيق انتعاش مستدام للاقتصاد التركي، إذ إن الوضع الاقتصادي الحالي في تركيا مريع. البلد مثقل بالديون للمستثمرين الدوليين – لتصل قيمته إلى 451 مليار دولار، وفقًا لأحدث البيانات، فالدين الوطني الخارجي قصير الأجل هو 185.3 مليار دولار وبسبب ارتفاع أسعار الطاقة والسلع، والتي تفاقمت بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا في في أواخر فبراير 2022، صارت تركيا تعاني من عجز مستمر في الحساب الجاري، على الرغم من أن انخفاض قيمة العملة المحلية لم يقلل هذا العجز.
ويعني ذلك أن التكلفة المرتفعة للسلع المستوردة لم تكبح الطلب بشكل كافٍ وأن التكلفة المنخفضة للقوى العاملة التركية لم توفر للصناعة المحلية ميزة تنافسية كافية لتحسين عجز الحساب الجاري، وأدت المشاريع الضخمة التي تم بناؤها من خلال الشراكات بين القطاعين العام والخاص إلى خلق التزامات مشروطة إضافية تقدر بحوالي 160 مليار دولار.
بينما انخفض صافي الاحتياطيات الرسمية التي يحتفظ بها البنك المركزي عند إلغاء اتفاقيات المقايضة إلى -52.3 مليار دولار في عام 2022، بانخفاض حاد من 71.1 مليار دولار في عام 2011 كما يتوجب توفير حماية وضمانات صرف العملات الأجنبية لأصحاب حسابات الودائع بالليرة التركية؛ فاعتبارًا من أواخر سبتمبر 2022، بلغ إجمالي الودائع المحمية بالعملات الأجنبية حوالي 75.34 مليار دولار.
علاوة على ذلك، تم تعديل حسابات الناتج المحلي الإجمالي بشكل كبير بالزيادة في كل من عامي 2008 و2016 ولا تعتبر السلسلة الجديدة موثوقة، لذلك، قد يتم التقليل من نسبة المطلوبات المقومة بالعملة الصعبة للحكومة المركزية والبنك المركزي والقطاع الحقيقي غير المالي إلى أرقام الناتج المحلي الإجمالي.
فيما وصل حزب العدالة والتنمية إلى السلطة في عام 2002 في أعقاب واحدة من أصعب الفترات الاقتصادية في التاريخ التركي الحديث، وكان فبراير 2001 هو الحضيض لأعمق كساد شهدته البلاد منذ أن فتحت اقتصادها في عهد الرئيس تورغوت أوزال في الثمانينيات، وواجهت الحكومة المركزية صعوبات في الاقتراض الجديد وتبخرت مصداقية النظام المصرفي.
تم منع الانهيار الكامل للنظام المالي والتمويل الحكومي من خلال اتفاقية صندوق النقد الدولي وبرنامج الاستقرار لصالح الأسواق الحرة.
وتم تحقيق الاستقرار المالي وبدأت فترة جديدة من النمو بعد المخاوف العالمية بشأن فقاعة الدوت كوم وانقضاء تأثير هجمات الحادي عشر من سبتمبر، وبعد سنوات من الحكومات الائتلافية، كان حكم الحزب الواحد تحت حكم حزب العدالة والتنمية اعتبارًا من عام 2002 أحد الركائز الأساسية للاستقرار في هذه الفترة.
ومع ذلك، كان برنامج صندوق النقد الدولي يفتقر إلى ركيزة التنمية وكان النموذج الاقتصادي شديد الحساسية لتدفقات الحافظة؛ ما يعني أن أي تدفق مفاجئ يمكن أن يشكل تهديدًا خطيرًا للنشاط الاقتصادي والاستقرار المالي.
وطوال الفترة الأولى من حكم حزب العدالة والتنمية بين عامي 2002 و2007، كان للحكومة سجل جيد من أرقام النمو ودعمت أهدافها المالية من خلال الاستخدام الكبير لإيرادات الخصخصة من بيع الشركات المملوكة للدولة، وأدى الطلب القوي بين الأسر على السلع المستوردة وحاجة الشركات المصنعة الخاصة للسلع الوسيطة المستوردة إلى عجز تجاري كبير وارتفع الدين الخارجي.
ونتيجة لذلك، أصبح الاقتصاد التركي يعتمد بشكل متزايد على الرغبة في المخاطرة لدى المستثمرين الدوليين، وفي عام 2007، واجهت تركيا اختبارًا صعبًا لاستقرارها الاقتصادي عندما ظهرت أزمة الرهن العقاري الثانوي في الولايات المتحدة، وانكمش الإنتاج بشكل حاد في العام التالي. على الرغم من زيادة الحاجة إلى التمويل الخارجي، لم يتم تمديد اتفاقية الاستعداد لصندوق النقد الدولي.
وكانت إحدى النتائج غير المتوقعة للأزمة المالية العالمية توسعًا نقديًا كبيرًا غير مسبوق دفع صناديق العملات الصعبة إلى الاستثمار في الأصول الخطرة، بما في ذلك الأسواق الناشئة على نطاق أوسع والأصول المقومة بعملة الليرة بشكل أكثر تحديدًا، وقد مكّن هذا تركيا من تمويل عجزها الضخم في الحساب الجاري، وهو ثالث أكبر عجز بعد الولايات المتحدة والمملكة المتحدة في عام 2011، دون تلقي أي مساعدة من صندوق النقد الدولي.
ومع ذلك، أصبح اعتماد الدولة على الأموال الساخنة واضحًا، وسرعان ما بدأ يشار إليها على أنها واحدة من “الأسواق الخمسة الهشة” الناشئة، إلى جانب الهند وإندونيسيا والبرازيل وجنوب إفريقيا.