بعد انتهاء جولة المباحثات الاستكشافية الثانية بين مصر وتركيا، التي عقدت في أنقرة للمرة الأولى، اتجهت الأنظار نحو مستقبل العلاقات ونتائج تلك المشاورات وكونها ستحقق مساعي تركيا لكسر عزلتها وإعادة علاقاتها الخارجية مجددا.
وتعليقا على المباحثات التي جرت يومي ٧ و٨ سبتمبر الجاري، قال رئيس الوزراء المصري الدكتور مصطفى مدبولي، اليوم الجمعة، إنه يمكن استئناف العلاقات الدبلوماسية مع تركيا هذا العام إذا تم حل القضايا العالقة.
وأضاف مدبولي، في مقابلة مع وكالة “بلومبيرغ” Bloomberg، أن القضية الرئيسية لمصر تظل في تورط تركيا بليبيا، مضيفا أنه “لا ينبغي لأي دولة أخرى أن تتدخل في ليبيا، أو تحاول التأثير على صنع القرار هناك، ونود أن نترك الليبيين يقررون مستقبلهم، وهناك الكثير من التحركات التي حدثت في الأشهر القليلة الماضية، لكن لا تزال هناك أيضًا بعض القضايا العالقة”.
ويأتي ذلك، بعد تصريحات وزير الخارجية المصري سامح شكري قال، لوكالة “بلومبيرغ”، إن القاهرة “حريصة على إيجاد حل” وصيغة لإعادة العلاقات الطبيعية مع أنقرة، مشيرا إلى أن هناك المزيد من العمل الذي يتعين القيام به، مؤكدا أنه عندما تشعر مصر بالرضا عن حل القضايا العالقة، فإن الباب سيفتح أمام مزيد من التقدم.
بينما تضمن البيان الختامي للمباحثات التي جاءت بعد تعليق ٤ أشهر، التأكيد على أن الطرفين جددا رغبتهما في اتخاذ خطوات إضافية من شأنها تعزيز مساعي تطبيع العلاقات بين البلدين.
وفيما يخص مستقبل العلاقات، نشرت صحيفة “زمان” التركية تحليلا عن توقعاتها بشأن ذلك، أوضح أن الجولة الثانية من المحادثات يؤكد حرص القاهرة وأنقرة على التقارب وتطبيع العلاقات فيما بينهما، وخروج الجولة الثانية بلا نتائج يؤكد استمرار الخلافات بينهما وعدم التوصل لحلول ناجعة لها، ويتضح ذلك أيضا من مستوى تمثيل الوفود المشاركة التي يرأسها نائب وزير الخارجية؛ ما يؤكد أنه لم تتسن الأجواء لعقد لقاء مباشر بين وزيري الخارجية. لأن الطرفين يهدفان إلى دفع العلاقات إلى مرحلة التطبيع على أساس المنفعة المتبادلة.
وأشار “زمان” إلى أنه ثمة تقدم بطيء للتقارب بين أنقرة والقاهرة وإذابة الجليد في العلاقات بينهما، ولكن تركيا ما زالت تتمسك بمواقفها الإقليمية حيث أبدت مؤخرًا صحة الاتفاقيات الموقعة بينها وبين الحكومة الليبية السابقة وهي إحدى نقاط الخلاف الجوهرية بين أنقرة والقاهرة، بينما تبدي تركيا المرونة فيما يتعلق بالعلاقات الثنائية وملف الإخوان المسلمين، حيث تطالب القاهرة بتسليمها المطلوبين الأمنيين هناك.
وتابع: إن المباحثات تظل “استكشافية”، ولم يتم حتى الآن الاتفاق بشكل نهائي حول الملفات الثلاثة الخلافية، وهي سحب التواجد التركي في ليبيا ووقف الاستفزازات في شرق المتوسط، ووقف الدعم التركي المقدم لجماعة الإخوان بشكل نهائي وتسليم المطلوبين للقاهرة، لذلك فالجلسات المقبلة ستشهد مناقشات حول هذه الملفات بشكل محوري، فضلا عن بحث آليات التعاون الإستراتيجي في ضوء التفاهمات المشتركة.
وترى الصحيفة التركية أن الجولة الثانية من المحادثات كانت تهدف إلى تحليل مدى جدية نوايا أنقرة ودرجة استعدادها لتحقيق انفراجة في القضايا التي تثير خلافات أكبر، حيث ناقشت المحادثات بين الوفدين المصري والتركي، قضية انسحاب القوات التركية والميليشيات الموالية لها من ليبيا.
وسلطت الضوء على تناقض الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، حيث استمر في نهجه السياسي المتناقض، كونه جدد يوم 2 يوليو 2021، إصراره على الوجود العسكري لبلاده في ليبيا وأذربيجان وسوريا والعراق وشرق المتوسط وكذلك قبرص التركية، غير المعترف بها دوليًا، حيث أكد على أن تركيا لها قوات في تلك الدول وستبقى للحفاظ على مصالحها، ورغم ذلك أعرب أكثر من مرة عن أمله في “زيادة التعاون مع مصر ودول الخليج إلى أقصى مدى”، مضيفا أن لدى بلاده فرص تعاون جاد مع مصر في منطقة واسعة من شرق البحر المتوسط إلى ليبيا.
وترى “زمان” أن العلاقات المصرية التركية تنتظر العديد من السيناريوهات، وتتوقف معظمها على صدق النوايا التركية في تنفيذ تعهداتها، حيث يعتبر السيناريو الأول، هو حدوث مصالحة سياسية بعد تصويب الموقف التركي، أما السيناريو الثاني، فهو توسط قوى إقليمية ودولية لحدوث مصالحة سياسية، فيما أن السيناريو الثالث هو استمرار الوضع الحالي.
وهذا السيناريو المرجح، ويتضمن استمرار حالة التعاون الاقتصادي دون إعادة تطبيع العلاقات سياسيًا، مع استمرار عقد جولات المحادثات الاستكشافية دون نتائج ملموسة لتطبيع بين القاهرة وأنقرة.
واختتمت تقريرها التحليلي بأن الاجتماعات التركية المصرية المقبلة ستشهد حسم قضية سحب الميليشيات من ليبيا، وكذلك سيتم وضع جدول زمني للمشاورات لأن المرحلة المقبلة ستشهد اجتماعات مصرية تركية تحضيرا للجولة الثالثة من المحادثات التي يرجح أن تعقد في القاهرة الشهر المقبل، ولذا فإن حل الملفات الإقليمية المتأزمة يتطلب تنسيقا مصريا تركيا مع مراعاة المصالح الإقليمية لكل منهما.