ما زال قانون مجلس الشورى القطري يثير جدلا واسعا في البلاد وخارجها، كونه يرسخ للعنصرية والتمييز السلبي بين أفراد الشعب، لذلك وجهت منظمة دولية انتقادات لاذعة للنظام القطري.
وقالت “هيومن رايتس ووتش”، في تقريرها الصادر اليوم، إن القوانين التي أُقرت أواخر يوليو 2021 لتنظيم الانتخابات التشريعية الأولى في قطر ستحرم فعليا آلاف القطريين من الاقتراع أو الترشح، وستسلط القوانين الجديدة الضوء على قانون الجنسية القطري التمييزي.
وأكدت المنظمة الدولية أن النظام الانتخابي الجديد يمنع القطريين الذين يصنفهم قانون الجنسية المثير للجدل كـ “متجنسين” بدل “أصليين” (“القطريون أساساً”) من الترشح في الانتخابات وبشكل عام من الاقتراع في انتخابات أكتوبر لثلثي مقاعد “مجلس الشورى”.
وأثار القانون الجديد الجدل والنقاشات بين القطريين على مواقع التواصل الاجتماعي، بالإضافة إلى بعض التظاهرات الصغيرة بقيادة قبيلة آل مُرّة شبه البدوية، إحدى أكبر القبائل القطرية والمتأثرة بقانون الجنسية التمييزي، فيما ردت السلطات القطرية بتوقيف واحتجاز بعض المنتقدين الأكثر جهرا، وعلى الأقل اثنين من الرجال الذين كانوا يقودون المظاهرات.
ومن ناحيته، قال آدم كوغل، نائب مدير قسم الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش: “كان يمكن لمحاولة قطر إشراك المواطنين في الحكم أن تكون لحظة يُحتفى بها، لكنها تشوهت بفعل حرمان العديد من القطريين من حقوق المواطنة الكاملة وقمع منتقدي الحرمان التعسفي من الاقتراع، القوانين الجديدة ذكّرت القطريين بأنهم ليسوا جميعا متساوين”.
وأشار كوغل: “مرة جديدة، تُظهر محاولة قطر الناقصة للإصلاح الانتهاكات الأوسع التي يتم التغاضي عنها وتحصل في البلاد دون رقيب”.
فيما أكد أفراد من آل مرّة، المقيم خارج قطر، لـ”هيومن رايتس ووتش” في 23 أغسطس أن القوى الأمنية القطرية كانت قد اعتقلت 15 شخصا على الأقل في الأسبوعين السابقَين، أربعة منهم على الأقل لا يزالون محتجزين – محاميان، وشاعر، ومقدم أخبار في قناة تلفزيونية قطرية.
واعتبرت المنظمة أن القانون رقم 7 لسنة 2021، الذي أقرّه الأمير في 29 يوليو مع قانونين آخرين متصلين، سيمنح مجلس الشورى صلاحيات تشريعية، ويُمنع جميع المواطنين المجنسين الآخرين من حق الاقتراع. ويمنع جميع المواطنين المُجَنَّسين من الترشح أو التعيّن في هيئات تشريعية.
يسلط قانون الجنسية الجديد الضوء على نظام المواطنة متعدد المستويات في ظل قانون الجنسية القطري لسنة 2005، الذي يعرّف “القطريين أساسا” على أنهم جميع “المتوطنون” في قطر قبل 1930، وأولئك المُثبت أنهم من أصول قطرية بقرار أميري. وبحسب هذا القانون، لا يُسمح للذين استعادوا جنسيتهم بالترشح في الانتخابات أو التعيُّن في أي هيئة تشريعية قبل عشر سنوات.
وينص القانون على أنه “لا يجوز التسوية بين من اكتسب الجنسية القطرية وبين قطري، بالنسبة لحق شغل الوظائف العامة أو العمل عموما، قبل انقضاء خمس سنوات من تاريخ كسبه الجنسية”، حيث يسهل على الدولة سحب الجنسية من القطريين “المتجنسين”. ويخضع أطفال المواطنين المجنسين لهذا الوضع القانوني من الدرجة الثانية، بغض النظر عن مكان ولادتهم، ما يطيل أمد الحرمان من حقوق المواطنة الكاملة عبر الأجيال.
وتحرم قوانين أخرى القطريين “المتجنسين” من حقوق ممنوحة للقطريين “الأصليين”. على سبيل المثال، يسمح قرار مجلس الوزراء المتعلق بنظام الإسكان للقطريين “المتجنسين” بطلب قرض إسكان بعد مرور 15 عاما من التجنيس. ولا يحق للقطري “المتجنس”، بخلاف القطري “الأصلي”، الاستفادة من منافع أخرى يمنحها القانون، بما في ذلك الحصول على سكن أو الأموال اللازمة لشراء أرض.
كما أشارت إلى أنه لا تنشر قطر أي أرقام حول عدد المواطنين الذين تعتبرهم الدولة “أصليين” أو “متجنسين”، وجوازات السفر القطرية لا تحمل أي إشارة إلى فئة الشخص. وغالبا ما يكتشف القطريون “المتجنسون” وضعهم القانوني عندما يُمنعون من الحصول على بعض الخدمات أو المزايا الحكومية، كما اكتشف البعض عندما حاولوا التسجيل للترشح أو الاقتراع في الانتخابات.
فيما عبر العديد عن استيائهم على الإنترنت، كان بينهم كثيرون من قبيلة آل مرّة، الذين طالما انتقدوا حرمانهم من حقوق المواطنة الكاملة، منهم المحامي القطري البارز د. هزاع أبو شريدة المري، الذي نشر فيديو على يوتيوب تمت مشاركته على نطاق واسع يخاطب فيه الأمير.
وفي اليوم نفسه، أحالت وزارة الداخلية سبعة أشخاص إلى النيابة العامة بتهمة “نشر أخبار غير صحيحة وإثارة النعرات العنصرية والقبلية”، بدون أن تنشر أسماءهم، واعتقلت القوى الأمنية د. أبو شريدة من منزله، وبعد ذلك نُظمت جميع الاعتصامات بالقرب من منزله في منطقة المعيذر بالقرب من الدوحة.
وقال أفراد من آل مرّة على تويتر، وآخرون خارج البلاد، إن القوى الأمنية القطرية اعتقلت على الأقل 14 شخصا بين متظاهرين ومنتقدين آخرين للقانون، منهم المحامي رشيد علي المري، وسعيد بن دجران المري، أحد قادة الاحتجاجات، وأحمد الشمري، المذيع على قناة “الريان” التلفزيونية القطرية، والشاعر جابر النشيرا، الذي أُطلق سراحه لاحقا.
بينما رد “مكتب الاتصال الحكومي” القطري في 9 سبتمبر، على طلب هيومن رايتس ووتش للحصول على معلومات محددة تتعلق بالاعتقالات، حيث قال: إن السلطات استدعت عددا قليلا فقط من الأشخاص خلال فترة تسجيل الناخبين بسبب “الخطاب المحرض على الكراهية، والسلوك المسيء عبر الإنترنت تجاه الناخبين، والتحريض على العنف تجاه مسؤولي إنفاذ القانون وغيرهم من الجمهور”، وإن معظم القضايا “تم حلها ولم يُتَّخَذ أي إجراء آخر”. لم يتضمن البيان معلومات عن أي من الحالات الفردية المحددة التي استفسرت عنها هيومن رايتس ووتش.
ومع استمرار الاستعدادات للانتخابات في سبتمبر، واستمرار أفراد من آل مُرة في التعبير عن مطالبهم بالمساواة في الحقوق على وسائل التواصل الاجتماعي، انضم قطريون من مختلف الخلفيات إلى النقاش، وأشار البعض إلى ما اعتبروه تصريحات كراهية صادرة ضد آل مرة أو منهم ضد القبائل أو العائلات الأخرى، حيث تمت ثلاثة اعتقالات أخرى في الأسبوع الأول من سبتمبر.
وأكدت “هيومن ريتس وواتس” أنه وُضعت خطط انتخابات مجلس الشورى الجزئية للمرة الأولى في الاستفتاء الدستوري في قطر في 2003، وقُدمت الوعود بإجراء انتخابات نيابية في 2007 و2010 و2011 و2017، وفي النهاية لم تجر أي منها، حيث ينتهك قانون الجنسية لسنة 2005 المادة 24 من الدستور القطري، التي تنص على وجوب اعتبار جميع القطريين متساوين بالحقوق والمسؤوليات.
وتابعت: إن قانون الجنسية ينتهك أيضا القانون الدولي لحقوق الإنسان، الذي يحظر التمييز على أساس الأصل القومي، بما في ذلك ما يتعلق بالحق في الاقتراع في “انتخابات نزيهة تجرى دوريا بالاقتراع العام وعلى قدم المساواة”.
وطالبت هيومن رايتس ووتش قطر بضرورة تعديل قانون الجنسية لسنة 2005 ليمنح جميع المواطنين القطريين، “أصليين” و”متجنسين”، حقوقهم الكاملة بالمواطنة. وعلى السلطات القطرية أن تفرج فورا عن جميع المحتجزين لمجرد ممارستهم حقهم بالتعبير الحر والتجمع السلمي.