منذ عدة أعوام، تحاول أميركا مواجهة حزب الله اللبناني، المدعوم من إيران، بكل السبل، من فرض عقوبات وتحجيم دوره ومسؤوليه وعرقلة الدعم القادم نحوه من مختلف الأطراف الخارجية، آخرها رصد مكافأة ضخمة لضرب قيادات حزب الله.
وأعلنت الخزانة الأميركية رصد 10 ملايين دولار كمكافأة لمن يدلي بمعلومات عن قياديين بميليشيات حزب الله المصنفة كجماعة إرهابية، منهم رجل الأعمال اللبناني أدهم طباجة.
لم تكن تلك هي المرة الأولى التي تحاول فيها الإدارة الأميركية تقييد أدهم طباجة، حيث تم وضعه على قائمة العقوبات الأميركية أيضا، ونشر موقع “مكافآت من أجل العدالة”، ملصقا إعلانيا تعرض فيه الخارجية الأميركية مكافأتها، بسبب اعتماد الحزب على شبكات التمويل لدعم العمليات وشن الهجمات على مستوى العالم.
وبحسب المعلومات الأميركية فإن حزب الله يكسب ما يقرب من مليار دولار سنوياً، من خلال الدعم المالي المباشر من إيران، والشركات والاستثمارات الدولية وشبكات المانحين والفساد وأنشطة غسيل الأموال. ويستخدم هذه الأموال لدعم أنشطته الخبيثة في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك انتشار أفراد ميليشياته في سوريا واليمن ودعم الميليشيات في العراق، وتنفيذ عمليات لإجراء المراقبة وجمع المعلومات الاستخبارية في الولايات المتحدة، وتعزيز قدراته العسكرية لامتلاك صواريخ دقيقة التوجيه.
ويعتبر طباجة مالك مشروعات تجارية عديدة وافقت عليها قيادة “الحزب” ومولتها، ومنها مدن ألعاب في مدينة صيدا وقرب مدينة النبطية، وكذلك التجارة بمواد غذائية كانت تمر في مرفأ بيروت من دون دفع ضرائب للجمارك اللبنانية، وهو شخصية مقربة من أحد المسؤولين الماليين للميليشيات صلاح عز الدين، ودخلا بتجارة خاصة بهما، بعيدة عن الميليشيات، وله علاقات مباشرة مع عناصر تنظيمية بارزة في الحزب، بما في ذلك العنصر التشغيلي لجماعة الجهاد الإسلامي، وهو المساهم الأكبر في شركة “الإنماء للتطوير العقاري والبناء” ومقرها لبنان.
وتم تصنيف طباجة ومجموعة الإنماء للأعمال السياحية والشركات التابعة لها على أنهما إرهابيان عالميان “محددان بشكلٍ خاص” في حزيران 2015. كما صنفت السعودية طباجة وشركاته ككيانات إرهابية بموجب قانونها الخاص بجرائم الإرهاب والتمويل. وتم تجميد أصوله المحتفظ بها في السعودية، والتحويلات عبر القطاع المالي، وحُظرت أي تراخيص تجارية مرتبطة به.
وتحاول أميركا حاليا تقييد حزب الله مع تزايد دور الميليشيات في الحكومة اللبنانية، ودورها الإقليمي في سوريا ودعم الحوثيين في اليمن، حيث أعلن مساعد وزير الخارجية الأميركي مايكل إيفانونف، أن المعلومات المطلوبة تتعلق بالنظام المالي للحزب أو الشخصيات التي أدارت هذه المنظومة أو سهّلت العمليات المالية للحزب.
وصنفت الخارجية الأميركية “حزب الله” كمنظمة إرهابية عام 1997، مؤكدة أنه يتلقى الدعم والتمويل والسلاح والتدريب من قبل إيران التي تصنفها واشنطن دولة راعية للإرهاب، وتعهدت لعقود بمواجهة حزب الله بعد تفجير مقر مشاة البحرية الأميركية في بيروت عام 1983 والذي قتل فيه 142 جنديا أميركيا.
كما تدعم الولايات المتحدة رسميا إعادة الهيكلة السلمية لإسرائيل، والمصالحة مع الأراضي الفلسطينية أي الضفة الغربية وقطاع غزة، وبسبب أنشطتهم “الإرهابية”، لم يدع حزب الله أو حماس إلى المشاركة في أي عمليه سلام تقودها الولايات المتحدة.
وسبق أن صنفت وزارة الخزانة الأميركية مسؤولين ماليين كبارا في الميليشيات، لدورهم في تهريب النفط الإيراني والتجارة به، وتهريب السلاح وإنشاء شبكات سرية حول العالم، وأبرز هؤلاء، محمد جعفر قصير ومحمد قاسم البزال وعلي قصير ومحمد كوثراني ومحمد إبراهيم بزي بالإضافة إلى علي يوسف شرارة لدوره بشبكة الاتصالات التي تدر أموالا لحزب الله.
وخلال عدة أعوام، سعت واشنطن لملاحقة شبكة حزب الله في لبنان وخارجها، واستهدفت الشبكات المالية التابعة له، بهدف قطع التمويل التابع لإيران، فضلا عن مساعٍ أميركية متلاحقة لإقناع الدول في جنوب أميركا وفي أوروبا، بوضع حزب الله على لائحة التنظيمات الإرهابية.
وتمكنت الولايات المتحدة في احتواء هذه الشبكات الواسعة والقديمة التابعة لحزب الله، لتكثف من عقوباتها بالعامين الماضيين على شركات وأشخاص تابعين لحزب الله، حيث يعتبر الموظفون العاملون في وزارتي الخزانة والخارجية، أن مسألة فرض العقوبات لها وجه تقني بحت، وتستهلك وقتاً طويلاً للتثبت من الحقائق، ومن الدعم المالي الذي تقدّمه شخصيات أو مؤسسات لحزب الله.
وتهدف من خلال تلك العقوبات فرض مزيد من الضغوط على حزب الله اللبناني في إطار جهود واشنطن لمحاصرة إيران وأذرعها في المنطقة العربية، حيث تلوح الولايات المتحدة بمزيد من العقوبات على حزب الله واللبنانيين الذين يساعدونه على تمدد نفوذه أو يساعدونه في تمويل نشاطاته.
وشهد عام 2019 تضييق خناق ضخما على حزب الله، حيث فرضت وزارة الخزانة الأميركية عقوبات على ثلاثة مسؤولين في الحزب منهم اثنان من أعضاء مجلس النواب ومسؤول أمني ينسق بين حزب الله والأجهزة الأمنية، وأعلن حينها وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو أن هذه الخطوة جاءت ضمن جهود الولايات المتحدة للتصدي “للتأثير الضار” لحزب الله المدعوم من إيران في لبنان.
وفي العام نفسه، رصدت مكافأة قيمتها 10 ملايين دولار لكل من يقدم معلومات من شأنها وقف مصادر تمويل حزب الله اللبناني، معربة عن قلقها من تزايد دور الحزب في الحكومة اللبنانية وكذلك دوره الإقليمي حيث نقل ميليشياته إلى سوريا قبل سنوات لدعم نظام الأسد كما يدعم الحوثيين في اليمن، وقال مساعد وزير الخارجية الأميركي مايكل إيفانونف: إن المعلومات المطلوبة تتعلق بالنظام المالي للحزب أو الشخصيات التي أدارت هذه المنظومة أو سهلت العمليات المالية للحزب.
والشهر الماضي، طالبت الولايات المتحدة حكومات العالم باتخاذ إجراء ضد جماعة حزب الله اللبنانية المدعومة من إيران، بينما فرضت وزارة الخزانة الأميركية يوم الثلاثاء عقوبات على سبعة لبنانيين قالت إنهم على صلة بحزب الله ومؤسسة “القرض الحسن” المالية التابعة له.
وقال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن: إن العمل ضد الجماعة، التي صنفتها واشنطن منظمة إرهابية، “التهديد الذي يمثله حزب الله للولايات المتحدة وحلفائنا والمصالح في الشرق الأوسط والعالم يتطلب من الدول حول العالم اتخاذ خطوات لتقييد أنشطته وتعطيل شبكات التيسير الخاصة به”.
فيما أدرجت وزارة الخزانة على القائمة السوداء إبراهيم علي ضاهر، مسؤول الوحدة المالية المركزية لحزب الله، وصنفته إرهابيا عالميا، واتهمته الوزارة بالعمل لحساب حزب الله، وفرضت عقوبات على ستة آخرين مرتبطين بمؤسسة القرض الحسن، بينهم رجل قالت إنه المدير المالي أحمد محمد يزبك إضافة إلى عباس حسن غريب ووحيد محمود سبيتي ومصطفى حبيب حرب وعزت يوسف عكر وحسن شحادة عثمان.
واتهمت الوزارة الرجال الستة باستخدام حسابات شخصية في بنوك لبنانية غطاء لتفادي العقوبات المفروضة على مؤسسة القرض الحسن وتحويل 500 مليون دولار نيابة عن شركة مدرجة على القائمة السوداء الأميركية.
وبموجب تلك الإجراءات يتم تجميد أي أصول في أميركا لمن فُرضت عليهم عقوبات ومنع الأميركيين بشكل عام من التعامل معهم، كما يواجه الضالعون في معاملات معينة مع الأفراد المستهدفين احتمال التعرض لعقوبات ثانوية.