لم تتوقف انتهاكات النظام التركي في البلاد على المواطنين والمعارضين، لتمتد بالخارج ضد غيرهم من الأعراق المختلفة والديانات المنتشرة بالبلاد التي تشنها ضد الأفراد في المناطق التي تسيطر عليها بسوريا والعراق.
الاستهداف الممنهج لمناطق الأقليات المسيحية والإيزيدية والكردية، والسعي إلى تطهير عرقي وتهجير الأقليات من العراق وسوريا، هو عبارة عن خطط وضعها النظام التركي، بحجة ملاحقة عناصر حزب العمال الكردستاني الذين لم يشنوا أي هجمات ضد أنقرة منذ سنوات طويلة.
وهو ما أكدته صحيفة “جيروزاليم بوست” الإسرائيلية، بأن كل المناطق التي تسيطر عليها المجموعات الموالية لتركيا في شمال سوريا مثل عفرين وإدلب وأماكن أخرى، لا تعيش فيها الأقليات الدينية بحرية.
ويشكل المسيحيون نحو 20 بالمائة من سكان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا منذ نحو قرن، إلا أنه انخفضت تلك النسبة إلى أقل من 4 بالمائة، أو حوالي 15 مليون شخص، بسبب تركيا.
وسبق أن أكدت منظمة التضامن المسيحي العالمي (CSW)، أن فصائل سورية مسلحة تتبع أنقرة، تقوم باعتقال أكراد سوريين مسيحيين.
فيما نشرت وكالة “روداو” الكردية للأنباء ومصادر أخرى، أن القصف التركي دمر قرية مسيحية وكنيسة، حيث أكد الأهالي أن القنابل سقطت قرب المنازل.
وقال أحد السكان المحليين إلى “روداو”: إن “الناس كانوا مرعوبين” بسبب القصف التركي على المنطقة، حيث أجبرت عائلات عدة، تنتمي إلى الأقليات المسيحية القديمة، على الفرار من القرى المحلية، ما وصل إلى أن قريتي كيستا وتشالكي، قد أفرغتا من السكان بينما بقيت بضع عائلات في مسقعة.
بينما أشارت مجلة “نيوز ويك” إلى محنة اللاجئين المسيحيين الذين فرّوا من العراق وسوريا في السنوات الأخيرة، حيث يُعاني العديد من هؤلاء الوافدين الجدد للمجتمع التركي من صعوبة الحصول على عمل وعدم تمكنهم من إيجاد مساحة لممارسة عقيدتهم.
كما أورد المعهد الأشوري للسياسات أنه: “تمّ تدمير كنيسة مار يوسف الآشورية الشرقية في قرية مسقعة في باروار بشمال العراق في حملة جوية كانت تستهدف ما يشتبه في أنه مواقع لحزب العمال الكردستاني بالمنطقة”.
وأكدت الصحيفة الإسرائيلية أن ذلك التطهير العرقي شبيه بذلك الذي نفذته تركيا عندما أجبرت 170 ألف كردي على مغادرة عفرين في سوريا بعدما غزت المنطقة عام 2018 وأرسلت جهاديين متطرفين مدعومين من تركيا لاحتلال المنطقة ومهاجمة الأقلية الكردية والإيزيديين.
وتابعت أن أنقرة تواصل حملة قصف على قرى في منطقة كردستان العراق ذات الحكم الذاتي، لتدمر منازل وكنيسة للأقلية المسيحية المحلية، مشيرة إلى أنه رغم بقاء القرى الأشورية القديمة صامدة ومتمسكة بهويتها وتاريخها -مثل القوش الواقعة بين دهوك والموصل– فإن القصف التركي زرع عدم الأمان لدى الكثير من أبناء الأقليات في العراق وسوريا والشرق الأوسط.
وذكرت أن كل مكان احتلته تركيا في سوريا مارست فيه تطهيراً عرقياً بحق الأقليات، حيث إنه في أنقرة تعرض عشرات الآلاف من الأكراد لمجازر خلال الحروب المختلفة التي تقول أنقرة إنها تشنها ضد إرهاب “حزب العمال الكردستاني”.
وأوضحت أن الدولة التركية نفسها التي تقصف قرى وتفرغها من سكانها في العراق وسوريا، هي نفسها التي تندد بالغارات الإسرائيلية على غزة، مرجحة أن تكون أنقرة تستهدف من خلال هجومها على إسرائيل صرف الانتباه عن حملتها الخاصة على مناطق مدنية تحت ذريعة “محاربة الإرهاب”.
وكثيرا ما تزعم تركيا أن لها الحق في غزو أجزاء من سوريا تطلق عليها “مناطق آمنة” لوضع حد للإرهاب، فيما وسعت 12 قاعدة وموقعاً في المنطقة الكردية بشمال العراق، كما أنها هددت بغزو سنجار، المنطقة التي تعرض فيها الإيزيديون لمذبحة على أيدي تنظيم “داعش”.
وتعرضت آلاف القرى على مدى سنوات للتدمير بسبب العمليات العسكرية والغارات الجوية التركية، وأُرغم الناس على الفرار، آخرهم إيدين هي قرية أخرى “أخليت” من جراء القتال، ويخشى الأكراد العودة إلى منازلهم بسبب القصف.
وعلى الصعيد الداخلي في تركيا، فإن المسيحيين في البلاد يتم التعامل معهم على أنهم تهديد للأمن الداخلي، سواء كانوا أجانب أو من الذين عاشوا في البلاد لسنوات.
وقال الدكتور أيكان إردمير، كبير مديري برنامج تركيا في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات (FDD) في واشنطن العاصمة، إن خطابات الرئيس رجب طيب أردوغان على وجه الخصوص، لها تأثير استقطابي على معاملة المسيحيين الأتراك.
وأكدت منظمة حقوق الإنسان المسيحية الدولية التي تتخذ من واشنطن مقرا لها، أن الأقلية المسيحية تختنق ببطء بسبب التمييز الذي يواجهه أفراد طائفتها.
وسبق أن حذر تقرير للخارجية البريطانية من أن الاضطهاد الديني للمسيحيين اقترب من حدّ “الإبادة الجماعية” في بعض مناطق العالم، وخصوصاً في الشرق الأوسط بما في ذلك تركيا حيث يتصاعد خطاب الكراهية ضدّ الأقليات الدينية ليس في داخل البلاد وحسب، بل ويمتد التحريض الديني لحزب العدالة والتنمية الإسلامي الحاكم إلى خارج حدود تركيا.