ما زالت تداعيات تسريب التسجيل الصوتي لوزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، الذي أفصح فيه عن تدخلات قاسم سليماني، بالدبلوماسية وسيطرة الحرس الثوري، مستمرة حتى اليوم بطهران.
وفي أعقاب تلك الأزمة، قدم حسام الدين آشنا، مستشار الرئيس الإيراني حسن روحاني اليوم الخميس، استقالته من منصب رئيس المركز الرئاسي للدراسات الإستراتيجية.
وتم تعيين علي ربيعي، المتحدث باسم الحكومة، بدلا عنه، وفقا لما أعلنته شبكة “إيران إنترناشيونال”.
فيما منع القضاء الإيراني 15 شخصا من مغادرة البلاد، في قضية تسريب الملف الصوتي لمقابلة ظريف، بحسب وكالة أنباء الطلبة الإيرانية (إيسنا) .
وبالأمس، تحدث الرئيس الإيراني حسن روحاني لأول مرة عن تسريب التسجيل لوزير خارجيته، حيث اعتبره يستهدف التسبب بـ”اختلاف” داخلي، في خضم المباحثات بشأن البرنامج النووي الإيراني.
وزعم روحاني، في كلمة متلفزة خلال الاجتماع الأسبوعي للحكومة، الأربعاء، أن التسجيل “تم نشره في وقت كانت مباحثات فيينا في ذروة نجاحها، وذلك بهدف خلق اختلاف داخل إيران”، مطالبا وزارة الاستخبارات بالكشف عن الجهة التي سربت تصريحات ظريف السرية.
فيما تم استدعاء بعض الأشخاص في قضية التسجيل الصوتي المسرب لظريف، الذين يخضعون للتحقيقات حاليا.
وأعلن الناطق باسم لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني، أبو الفضل عموئي، أن مجلس الشورى استدعى وزير الخارجية، محمد جواد ظريف، لحضور اجتماع اللجنة المزمع عقده خلال أيام، لشرح التسجيل المسرب، والإجابة على عدد من الأسئلة حول أداء وزارة الخارجية، مضيفا أنه من المقرر عقد اجتماع لجنة الأمن القومي مع وزير الخارجية خلال الأسبوعين المقبلين.
وبالأمس، فتحت السلطة القضائية الإيرانية تحقيقا قضائيا بشأن تسريب ملف صوتي لوزير الخارجية تناولته مجموعة كبيرة من وسائل الإعلام وحمل انتقادات لقائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الجنرال الراحل قاسم سليماني، معتبرة أن “التهمة الرئيسية في هذه القضية هي نشر ووضع معلومات سرية للدولة تحت تصرف أشخاص غير مؤهلين، والتي وفقا للمادة 501 من قانون العقوبات الإسلامي وقانون نشر وإفشاء الوثائق السرية، فإن مديري ومسؤولي نشر هذا التسجيل يخضعون للملاحقة والعقاب وسيتم اتخاذ إجراءات حاسمة بحقهم”.
وقبل ذلك، أبدى جواد ظريف “أسفه” لتحول تصريحاته المسربة إلى “اقتتال داخلي”، دون إنكار لصحة التسريبات، ما يعني اعترافه بها ضمنا.
وخلال التسجيل الصوتي الذي تحدث فيه وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، في لقاء كان من المفترض نشره بعد انتهاء الحكومة بذلك الوقت، في مارس ٢٠٢٠، كشف فيه تدخلات قاسم سليماني، ما وصل إلى إطاحته بالدبلوماسية من أجل العمليات الميدانية للحرس الثوري.
وقال ظريف إن إستراتيجية النظام الإيراني كانت أشبه بـ”الحرب الباردة”، مضيفا: “ضحيت بالدبلوماسية لصالح ساحة المعركة أكثر مما ضحيت بساحة المعركة لصالح الدبلوماسية”، أي لأجل العمليات العسكرية وتدخل قوات الأمن في الإستراتيجية الدبلوماسية للبلاد.
وتابع أن سبب هذا التدخل العسكري في قرارات الحكومة، يرجع إلى أن الوسط العسكري هو من يقرر، كونه يهيمن على إستراتيجية البلاد، مستشهدا بمثال معاملة الحكومة الروسية مع إيران خلال قضية الاتفاق النووي.
وأوضح أن الحرس الثوري شارك في محادثات وزارة الخارجية مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، حيث أعطاه سليماني قائمة بالنقاط التي كان يجب أخذها في الاعتبار، مضيفا: “لم أتفق مع قاسم سليماني في كل شيء، كان سليماني يفرض شروطه عند ذهابي لأي تفاوض مع الآخرين بشأن سوريا، وأنا لم أتمكن من إقناعه بطلباتي، مثلا طلبت منه عدم استخدام الطيران المدني في سوريا ورفض”.
وتحدث أيضا الوزير الإيراني عن علاقته بقاسم سليماني، بقوله: “لم أتمكن أبدا في مسيرتي المهنية من القول لقائد ساحة المعركة من سليماني وغيره أن يفعل شيئًا معينًا لكي أستغله في الدبلوماسية.. في كل مرة، تقريبًا، أذهب فيها للتفاوض كان سليماني هو الذي يقول إنني أريدك أن تأخذ هذه الصفة أو النقطة بعين الاعتبار، كنت أتفاوض من أجل نجاح ساحة المعركة”.
كما أشار إلى الاختلاف بين الجيش والدبلوماسية في إيران، حيث يرى أهمية ترك الأمور للدبلوماسيين، بسبب أنه ” كانت ساحة المعركة هي الأولوية بالنسبة للنظام، لقد أنفقنا الكثير من المال، بعد الاتفاق النووي، حتى نتمكن من المضي قدماً في عمليات الحرب الميدانية”.
وردا على سؤال حول دوره في السياسة الخارجية للبلاد، وصفه ظريف بـ”الصفر”، حيث أرجع ذلك إلى أنه: “يجب أن تكون سياسة ساحة المعركة أيضًا إحدى وظائف إستراتيجية الدولة، لكن هذا ليس هو الحال، فسياسة ساحة الحرب هي التي تحدد ماهية سياسة البلاد”.
تطرق أيضا للحديث عن نفوذ سليماني، حيث قال إنه لأول مرة منذ رفع العقوبات الأميركية عن شركة الطيران الوطنية الإيرانية (هما)، حذره وزير الخارجية الأميركي آنذاك، جون كيري، في يونيو 2016 من أن الرحلات الجوية من إيران إلى سوريا زادت 6 أضعاف، وهو ما تأكد منه لاحقا من رئيس الخطوط الجوية الإيرانية، بأنه جاء نتيجة “ضغوط الحاج قاسم” والتي تسببت في تسيير رحلات “هما” بالإضافة إلى خطوط “ماهان”.
وطالب ظريف من مهاجميه والمشككين في “ثوريته” بسؤال حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله اللبناني، موضحًا: “من يهاجمونني في الداخل عليهم أن يسألوا عني حسن نصر الله هل أنا خائن أم ثوري؟، لقد سعيت كثيرا لكي يشارك الناس في الانتخابات البرلمانية لكن لم يحدث، وقرر الشعب عدم التصويت، وبذلك سيطر الأصوليون على البرلمان”.
كما كشف الوزير الإيراني أن المرشد عاتبه “بشدة” بعد تصريح له “تم تحريفه من قناة ناطقة بالفارسية في الخارج، حول الاتفاق النووي. وقال لي حينها: عليك أن تكون مع مواقف النظام. اضطررت أن أشرح له عدة ساعات وأكتب توضيحًا على تويتر لشرح الموقف”.
وفيما يخص استهداف الحرس الثوري الإيراني الطائرة الأوكرانية بالقرب من طهران، قال إن المسؤولين العسكريين والأمنيين كانوا على علم باستهداف الطائرة بعد ظهر الأربعاء أو صباح الخميس، وأنه تم التعامل معه بشدة من قبل الحاضرين في اجتماع الأمانة العامة التابعة لمجلس الأمن القومي، وأنه سألهم في اجتماع يوم الجمعة، أي بعد نحو 3 أيام من استهداف الطائرة، قال إنه إذا تم إطلاق الصاروخ، ينبغي أن يخبروه بالأمر أيضًا، ولكن الحاضرين نفوا الأمر وطلبوا منه نفيه على حسابه في “تويتر”، قائلا: “انظروا، أنا وزير الخارجية، ومن المفترض أن أبرر ذلك، ولكن لا أحد يلتفت لي”.