رغم رحيله منذ حوالي عامين، إلا أن الكثير من الأسرار حول قاسم سليماني قائد فيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني ما زالت حية تلاحق سيرته حتى الآن، يتم الكشف عن بعضها بين الحين والآخر، آخرها التضحية بالدبلوماسية من أجل الحرس الثوري.
نشر “إيران إنترناشيونال” تسجيلا صوتيا يتحدث فيه وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، في لقاء كان من المفترض نشره بعد انتهاء الحكومة بذلك الوقت، في مارس ٢٠٢٠، كشف فيه تدخلات قاسم سليماني، ما وصل إلى إطاحته بالدبلوماسية من أجل العمليات الميدانية للحرس الثوري.
وتضمن ذلك اللقاء، الذي استغرق أكثر من 3 ساعات مع الاقتصادي الموالي للحكومة سعيد ليلاز، حيث أسهب ظريف في الرد على أسئلة حول سياسات وزارة الخارجية خلال فترة ولايته.
وفيما يتعلق بفرض سياسات الحرس الثوري على وزارة الخارجية، قال ظريف: إن إستراتيجية النظام الإيراني كانت أشبه بـ”الحرب الباردة”، مضيفا: “ضحيت بالدبلوماسية لصالح ساحة المعركة أكثر مما ضحيت بساحة المعركة لصالح الدبلوماسية”، أي لأجل العمليات العسكرية وتدخل قوات الأمن في الإستراتيجية الدبلوماسية للبلاد.
كما قال: إن سبب هذا التدخل العسكري في قرارات الحكومة، يرجع إلى أن الوسط العسكري هو من يقرر، كونه يهيمن على إستراتيجية البلاد، مستشهدا بمثال معاملة الحكومة الروسية مع إيران خلال قضية الاتفاق النووي.
وتابع: إن الحرس الثوري شارك في محادثات وزارة الخارجية مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، حيث أعطاه سليماني قائمة بالنقاط التي كان يجب أخذها في الاعتبار، مضيفا: “لم أتفق مع قاسم سليماني في كل شيء، كان سليماني يفرض شروطه عند ذهابي لأي تفاوض مع الآخرين بشأن سوريا، وأنا لم أتمكن من إقناعه بطلباتي، مثلا طلبت منه عدم استخدام الطيران المدني في سوريا ورفض”.
وتحدث أيضا الوزير الإيراني عن علاقته بقاسم سليماني، بقوله: “لم أتمكن أبدا في مسيرتي المهنية من القول لقائد ساحة المعركة من سليماني وغيره أن يفعل شيئًا معينا لكي أستغله في الدبلوماسية.. في كل مرة، تقريبًا، أذهب فيها للتفاوض كان سليماني هو الذي يقول إنني أريدك أن تأخذ هذه الصفة أو النقطة بعين الاعتبار، كنت أتفاوض من أجل نجاح ساحة المعركة”.
وعقب ذلك الحديث، طلب ظريف من ليلاز “أن لا ينشر هذا الجزء من المقابلة أبدًا”.
كما أشار إلى الاختلاف بين الجيش والدبلوماسية في إيران، حيث يرى أهمية ترك الأمور للدبلوماسيين، بقوله: “لقد كانت ساحة المعركة هي الأولوية بالنسبة للنظام، لقد أنفقنا الكثير من المال، بعد الاتفاق النووي، حتى نتمكن من المضي قدماً في عمليات الحرب الميدانية”.
وردا على سؤال حول دوره في السياسة الخارجية للبلاد، وصفه ظريف بـ”الصفر”، حيث أرجع ذلك إلى أنه: “يجب أن تكون سياسة ساحة المعركة أيضًا إحدى وظائف إستراتيجية الدولة، لكن هذا ليس هو الحال، فسياسة ساحة الحرب هي التي تحدد ماهية سياسة البلاد”.
تطرق أيضا للحديث عن نفوذ سليماني، حيث قال: إنه لأول مرة منذ رفع العقوبات الأميركية عن شركة الطيران الوطنية الإيرانية (هما)، حذره وزير الخارجية الأميركي آنذاك، جون كيري، في يونيو 2016 من أن الرحلات الجوية من إيران إلى سوريا زادت 6 أضعاف، وهو ما تأكد منه لاحقا من رئيس الخطوط الجوية الإيرانية، بأنه جاء نتيجة “ضغوط الحاج قاسم” والتي تسببت في تسيير رحلات “هما” بالإضافة إلى خطوط “ماهان”.
وأشار ظريف إلى أنه عندما طلب من سليماني في اجتماعه التالي معه، السفر على “ماهان” بدلاً من “هما”، أجاب سليماني: “هما أكثر أمانًا”، حيث كان سليماني يصر على استخدام رحلات شركة “هما”، بقوله: إن “الساحة للمجال العسكري هي الأصل، فإذا كانت (هما) أكثر أمانًا بنسبة 2% من (ماهان)، فيجب استخدام هما، حتى لو ألحق ذلك أضرارا بنسبة 200% على الدبلوماسية”.
وتابع: إن مسؤولي الطيران ووزير الطرق ورئيس الجمهورية لم يكونوا على علم بذلك.
وأعاد مجددا الحديث إلى الاتفاق النووي، حيث قال: إن اللمسات الأخيرة عليه كانت في يوليو 2015 وحتى يوم تنفيذ الاتفاق في ديسمبر 2015، حيث كان الحدث الأول هو زيارة قاسم سليماني إلى موسكو، بإرادة روسية ودون سيطرة وزارة الخارجية الإيرانية، بهدف “تدمير إنجاز وزارة الخارجية” بإرادة روسية.
وأكد ظريف أن روسيا، وعلى الرغم من طلب سليماني زيارة موسكو واللقاء مع بوتين، وافقت على القيام بهذه الزيارة في الأسبوع الأخير من توقيع الاتفاق النووي، حيث حاولت موسكو مسبقا عرقلة الاتفاق النووي في الأسابيع الأخيرة من توقيعه، خاصة في مجال وقود محطة بوشهر النووية.
وبسبب ذلك، كشف ظريف أنه أهان الوزير الروسي سيرغي لافروف خلال المفاوضات النووية بسبب خلاف في الآراء نشب بينهما، وذلك في مرحلة من المفاوضات عندما لم يتم التوصل إلى اتفاق، وسأله لافروف هل لديه تعليمات أم لا؟ قال له ظريف: “هذا ليس شأنك”، مستخدما أيضا عبارة “مهينة وغير دبلوماسية” ضد لافروف.
وخلال المقابلة، أشار ظريف إلى الخلاف السياسي في الداخل الإيراني، قائلا: “هناك من يعرقلون الحكومة ظنا منهم أنهم سيأتون بعدنا ويفخرون بحل المشاكل، لكنهم لم ينتبهوا أن العالم سيتغير بعد 6 أشهر، وهذه الشهور المتبقية مهمة للغاية للنظام”.
وطالب ظريف من مهاجميه والمشككين في “ثوريته” بسؤال حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله اللبناني، موضحا: “من يهاجمونني في الداخل عليهم أن يسألوا عني حسن نصر الله هل أنا خائن أم ثوري؟، لقد سعيت كثيرا لكي يشارك الناس في الانتخابات البرلمانية لكن لم يحدث، وقرر الشعب عدم التصويت، وبذلك سيطر الأصوليون على البرلمان”.
كما كشف الوزير الإيراني أن المرشد عاتبه “بشدة” بعد تصريح له “تم تحريفه من قناة ناطقة بالفارسية في الخارج، حول الاتفاق النووي. وقال لي حينها: عليك أن تكون مع مواقف النظام. اضطررت أن أشرح له عدة ساعات وأكتب توضيحًا على تويتر لشرح الموقف”.
وفيما يخص استهداف الحرس الثوري الإيراني الطائرة الأوكرانية بالقرب من طهران قال: إن المسؤولين العسكريين والأمنيين كانوا على علم باستهداف الطائرة بعد ظهر الأربعاء أو صباح الخميس، وأنه تم التعامل معه بشدة من قبل الحاضرين في اجتماع الأمانة العامة التابعة لمجلس الأمن القومي، وأنه سألهم في اجتماع يوم الجمعة، أي بعد نحو 3 أيام من استهداف الطائرة، قال إنه إذا تم إطلاق الصاروخ، ينبغي أن يخبروه بالأمر أيضًا، ولكن الحاضرين نفوا الأمر وطلبوا منه نفيه على حسابه في “تويتر”، قائلا: “انظروا، أنا وزير الخارجية، ومن المفترض أن أبرر ذلك، ولكن لا أحد يلتفت لي”.