مازالت تبعيات تقرير الاستخبارات الأميركية بشأن مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، مستمرة وسط تنديد دولي ومحلي أيضا، كونه يتنافى مع الحقيقة ويعج بالترجيحات والاعتقاد دون أدلة حقيقية.
وعلقت عليه اليوم، مجلة “فورين بوليسي” الأميركية، مؤكدة أن إدارة الرئيس الجديد جو بايدن، أقدمت على خطأ فادح بنشر ذلك التقرير المثير للجدل والخالي من الحقائق، حيث ترى أن الولايات المتحدة كانت تهدف من خلاله الضغط على المملكة العربية.
وشددت المجلة الأميركية أن تلك المحاولة تعتبر خطأ فادحًا في ظل الشعبية الجارفة لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، داخل المملكة وخارجها، لاسيما بين الشباب والنساء وبعد الإصلاحات العديدة التي نفذها، لذلك أي سبيل لتشويهه لن ينال منه.
وأرجعت تلك المحاولة إلى أن بايدن كان يحاول على غرار سابق الإدارات الأميركية، الخروج من قطاع الشرق الأوسط، وهو ما لن يتمكن منه كما لم يتمكن سابقوه، بهدف الاهتمام بالتنافس الإستراتيجي مع الصين، التي قال عنها بايدن إنها التحدي المباشر لرئاسته، مضيفة أنه فور اعتقاده بالنجاح في الخروج من الشرق الأوسط، فإنه يعود مجبرا مجددا.
وترى “فورين بوليسي” أن تحقيق بايدن لذلك يتطلب إخراج الولايات المتحدة مرة أخرى، وإلى الأبد، من دوامة التشابكات التي لا تنتهي، وتحقيق توازن جديد للقوى والذي يحتاج إلى دقة للغاية بين المثالية والواقعية.
وأشارت إلى تصريح قبل 10 سنوات تقريبا لوزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون، أعلنت فيه أن الولايات المتحدة ستحول تركيزها إلى آسيا بدلا من الشرق الأوسط، إلا أن ذلك لم يستمر طويلا، حيث إنه عقب فترة قصيرة، أجبرت انتفاضات الربيع العربي السياسة الخارجية الأميركية على العودة مجددا إلى الشرق الأوسط، ولاحقا جرت الحروب الأهلية في سوريا وليبيا، وظهر تنظيم داعش الإرهابي، ثم المفاوضات الخاصة بالاتفاق النووي الإيراني.
وتابعت أن الاختبار الأول لبايدن بالشرق الأوسط كان في منتصف فبراير الماضي، بعد أن أطلقت الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران صواريخ على قاعدة جوية أميركية في شمال العراق، وقتلت متعاقدا فلبينيا، وأصابت جنودا أميركيين، ووقتها احتاج بايدن وقتا للرد، ولكن لم تكن هناك خطوط حمراء، أو تغريدات غاضبة، أو لهجة تلوح باستخدام القوة، إنما مجرد غارة دقيقة على معبر سوري تستخدمه الميليشيات، رغم أن البنتاغون أكد أن بايدن سيتحرك لحماية الأميركيين وقوات التحالف.
وقارنت المجلة بين الرؤساء الثلاثة الأميركيين بالآونة الأخيرة، حيث قالت: “إذا كان أوباما بمثابة الجزرة، وترامب العصا، فإن بايدن يفضل مزيجا من المشاركة والحوار، وغارات على العملاء، واستمرار العقوبات والضغط الدبلوماسي”، مشيرة إلى رغبة الرئيس الحالي بإعادة إيران للاتفاق النووي والالتزام الكامل، ولكنه على علم أن المضي قدما، دون الرد على الأنشطة الإيرانية المزعزعة للاستقرار في المنطقة، سيضعف فرصه.
وأثار تقرير الاستخبارات الأميركية بشأن مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية بإسطنبول عام 2018، جدلا ضخما حيث تضمن الكثير من الأكاذيب، أولها أن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان وافق على “عملية اعتقال أو قتل الصحفي السعودي”، وهو اتهام بالغ لم يتم الاستناد فيه إلى أي دلائل، حيث اكتفى التقرير بقوله: “نحن نبني هذا التقييم على سيطرة ولي العهد على صنع القرار في المملكة، والمشاركة المباشرة لمستشار رئيسي وأعضاء من رجال الأمن الوقائي لمحمد بن سلمان في العملية، ودعم ولي العهد لاستخدام الإجراءات العنيفة لإسكات المعارضين في الخارج، بما في ذلك خاشقجي”.
وغاب عن التقرير الأميركي أي معايير للمصداقية أو الحقيقة، حيث اعتمد على كلام مرسل وافتقد وجود أي أدلة ملموسة، حيث يطرح تقييما بناء على بعض التصورات الأولية التي لا تستند لحقائق مادية، ما يظهر أنه تبنى آراء تركية غير صحيحة ويتجه لمحاولة رخيصة لابتزاز الحكومة السعودية.