ذات صلة

جمع

كلمة الفصل.. هل يخرج الليبيون في “انتفاضة كبرى” لفرض الانتخابات؟

تعيش ليبيا اليوم على فوهة بركان سياسي واجتماعي قد...

انتفاضة الصناديق.. هل انتهت حجة “نقص التمويل” أمام الاستحقاق الليبي؟

تظل المعضلة الليبية تراوح مكانها بين أروقة السياسة الدولية...

مافيا السيولة.. كيف تحولت الصكوك المصرفية في ليبيا إلى رماد لإخفاء ثقوب الميزانية؟

في مشهدٍ يعكس ذروة التحلل الإداري والمالي، استيقظ الشارع...

البرهان والوعود الزائفة.. كيف استنزفت طموحات العسكر ثروات الشعب السوداني؟

لطالما كان السودان يُعرف بلقب "سلة غذاء العالم"، لكن...

مافيا السيولة.. كيف تحولت الصكوك المصرفية في ليبيا إلى رماد لإخفاء ثقوب الميزانية؟

في مشهدٍ يعكس ذروة التحلل الإداري والمالي، استيقظ الشارع الليبي على وقع فضيحة “حرق الصكوك” التي لم تكن مجرد حادثة عابرة، بل كانت إعلانًا صريحًا عن فشل ذريع في إدارة السيولة النقدية وانهيار المنظومة المصرفية.

وقالت مصادر: إن تحول الصكوك المصرفية إلى رماد يثير تساؤلات حارقة حول من يقف وراء “مافيا السيولة” ومن المستفيد من إخفاء الأدلة المالية التي توثق ثقوب الميزانية العامة وتكشف حجم الفساد المستشري في أروقة المؤسسات المالية.

محرقة الصكوك

وأكدت المصادر، أن الصكوك المصرفية في أي نظام نقدي تعد بمثابة وثيقة أمان وحق، إلا أنها في ليبيا تحولت إلى عبء على الفاسدين.

وتشير التقارير الاستقصائية إلى أن عمليات إتلاف الصكوك بشكل غير قانوني تهدف بالأساس إلى طمس مسارات المقاصة المعطلة بين المصارف في الشرق والغرب، وأن “مافيا السيولة” تدرك أن بقاء هذه الصكوك في السجلات يعني إمكانية تتبع الأموال المنهوبة والاعتمادات الوهمية التي تم صرفها بمليارات الدنانير، لذا كان خيار “الحرق” هو الوسيلة الأسرع لإغلاق ملفات التحقيق قبل أن تبدأ، وتحويل الالتزامات المالية للدولة تجاه المواطنين إلى سراب لا يمكن إثباته.

انهيار إدارة السيولة

لقد أدى سوء إدارة المصرف المركزي لملف السيولة إلى خلق اقتصاد موازٍ تسيطر عليه السوق السوداء، وبينما يواجه المواطن الليبي صعوبة بالغة في سحب بضع مئات من الدنانير لسد رمقه، كانت الصكوك المصرفية تُتداول في كواليس “مافيا السيولة” بخصومات تصل إلى 30% و40% مقابل الكاش. هذا الانهيار لم يكن صدفة، بل كان نتيجة سياسات نقدية متعثرة وتوقف المقاصة الإلكترونية، مما جعل الصك الورقي بلا قيمة حقيقية في يد المواطن، لكنه “كنز” في يد المضاربين الذين يستغلون حاجة الناس لتحقيق أرباح فاحشة من خلال دورة غسيل أموال تبدأ من المصرف وتنتهي في المحرقة.

ثقوب الميزانية

وتُظهر الميزانيات المتعاقبة في ليبيا أرقامًا فلكية للإنفاق العام، ولكن على أرض الواقع، تعاني البنية التحتية والخدمات الأساسية من تهالك تام.

إن حرق الصكوك يعمل كستار دخاني لإخفاء “الثقوب السوداء” في الميزانية؛ حيث يتم تسجيل نفقات وهمية وتسويات لم تتم على أرض الواقع.

ومن خلال تدمير الصكوك المرفوضة أو تلك التي لم تدخل المقاصة، يسهل التلاعب بالأرقام النهائية لختامي الحسابات، مما يجعل من المستحيل على الجهات الرقابية مثل ديوان المحاسبة تحديد حجم العجز الحقيقي أو رصد حالات الاختلاس الممنهجة التي تتم تحت غطاء “الطوارئ” أو “المجهود الحربي”.

التداعيات الاقتصادية

وأشارت المصادر، أن هذا السلوك أدى إلى جفاف السيولة داخل المصارف تمامًا، وزاد من قوة “مافيا السيولة” التي باتت تتحكم في سعر الصرف وفي تدفق النقد، مما دفع التضخم لمستويات قياسية وجعل من الصعب على أي حكومة قادمة استعادة التوازن النقدي دون إصلاحات جذرية ومحاسبة جنائية للمتورطين.

صمت المركزي.. تواطؤ أم عجز؟

ويطرح صمت مصرف ليبيا المركزي تجاه وقائع حرق الصكوك وإتلاف السجلات المالية علامات استفهام كبرى. فالمصرف، بصفته المسؤول الأول عن الرقابة، مطالب بالكشف عن قائمة المصارف التي شهدت هذه التجاوزات وتقديم الجناة للعدالة.

إن استمرار سياسة “الغموض البناء” في إدارة الحسابات المالية للدولة لا يخدم سوى المستفيدين من حالة الفوضى، ويؤكد أن مافيا السيولة تغلغلت في مفاصل القرار المالي، بحيث أصبح القرار النقدي يُتخذ لتلبية مصالح مراكز القوى وليس لإنقاذ الاقتصاد الوطني المتهاوي.

ضرورة الرقمنة الشاملة والمساءلة القانونية

إن إنهاء عهد “رماد الصكوك” يتطلب انتقالاً فوريًا وشاملاً نحو الرقمنة المصرفية الكاملة التي لا تقبل الحذف أو الحرق، ولا يمكن لليبيا أن تخرج من نفق أزمة السيولة ما لم يتم تفعيل المقاصة الموحدة وإخضاع كافة العمليات المالية لرقابة دولية ومحلية صارمة.

واختتمت المصادر، أن استنزاف ثروات الشعب الليبي عبر ثقوب الميزانية لن يتوقف إلا بكسر شوكة “مافيا السيولة” واستعادة هيبة القانون فوق المؤسسات المالية، لضمان ألا تضيع حقوق الليبيين في محارق الفساد مرة أخرى.