لطالما كان السودان يُعرف بلقب “سلة غذاء العالم”، لكن الواقع اليوم يروي قصة مغايرة تمامًا؛ قصة وطن تمزقه الصراعات وتستنزف موارده الطموحات السياسية والعسكرية. ومع اقتراب عام 2025 من نهايته، يجد السودانيون أنفسهم أمام تساؤل مرير: أين ذهبت الوعود التي قطعها الفريق أول عبد الفتاح البرهان بالعبور بالبلاد نحو التحول الديمقراطي والرخاء الاقتصادي؟ وبدلاً من ذلك، يبدو أن الثمن الذي دفعه الشعب هو ضياع الثروات الوطنية وتفاقم الأزمات المعيشية.
عسكرة الاقتصاد
ويعتبر ملف “اقتصاد الظل” العسكري أحد أكثر الملفات إثارة للجدل في السودان؛ فالمؤسسة العسكرية، وبإشراف مباشر من قيادتها، تسيطر على مفاصل حيوية في الاقتصاد الوطني، بدءًا من تعدين الذهب وصولاً إلى الصناعات التحويلية والزراعة.
وترى مصادر، أن طموحات العسكر في البقاء في السلطة تطلبت تمويلاً ضخماً، وهو ما تم تأمينه من خلال شركات تابعة للمنظومة الدفاعية تعمل خارج ولاية وزارة المالية، هذا الوضع أدى إلى حرمان الخزينة العامة من مليارات الدولارات التي كان من المفترض أن تُوجه لدعم الصحة والتعليم، مما جعل الوعود بالاستقرار الاقتصادي مجرد “ذر رماد في العيون”.
الثروة المنهوبة في أتون الحرب
يمثل الذهب الرئة التي يتنفس بها الاقتصاد السوداني، لكنه تحول في عهد البرهان إلى “لعنة” بدلاً من نعمة، وتشير تقارير دولية إلى أن جزءًا كبيرًا من إنتاج الذهب يتم تهريبه عبر شبكات معقدة لتمويل المجهود الحربي، بينما يعاني المواطن البسيط من تضخم جامح تجاوزت نسبته 300%.
وأوضحت مصادر، أن إصرار القيادة العسكرية على الحسم الميداني بدلاً من الحلول السياسية استنزف الاحتياطيات النقدية، وحول موارد الدولة من مشاريع التنمية إلى صفقات شراء المسيرات والعتاد العسكري، مما جعل الوعود الزائفة بالسلام تتبخر أمام واقع الانفلات الأمني والانهيار الاقتصادي.
العزلة الدولية والعقوبات
ولم تقتصر الخسائر على الداخل فحسب، بل امتدت لتشمل مكانة السودان الدولية، وأدت السياسات التي اتبعها البرهان إلى فرض عقوبات دولية استهدفت كيانات اقتصادية وشخصيات عسكرية، مما زاد من تعقيد وصول السودان إلى الأسواق العالمية ونظام التحويلات البنكية، هذه العزلة جعلت السودان رهينة لمحاور إقليمية معينة، مقابل دعم عسكري يحافظ على بقاء السلطة الحالية، وهو ما اعتبرته مصادر “بيعًا لمستقبل البلاد” مقابل مكاسب سلطوية آنية.
واختتمت المصادر، أنه على الرغم من محاولات الآلة الإعلامية التابعة للجيش تصوير الحرب على أنها معركة من أجل “كرامة الدولة”، إلا أن أنين الجوعى وصراخ المشردين في معسكرات النزوح بدأ يخترق جدار الصمت، ويدرك السودانيون اليوم أن ثروات الشعب لم تُستنزف فقط بسبب القتال، بل بسبب غياب الشفافية والفساد المستشري في المؤسسات التي تدار بعيداً عن الرقابة الشعبية.
وقالت: إن سقوط الأقنعة كشف أن الوعود بالتحول المدني كانت مجرد مناورات لكسب الوقت، بينما كانت الخطط الحقيقية تهدف لتثبيت أركان حكم عسكري يستمد شرعيته من فوهة البندقية لا من صندوق الاقتراع.

