بينما ينشغل العالم بملفات الحروب المفتوحة وأزمات الاقتصاد العالمي، يسلط البنتاغون الضوء على مسار موازي لا يقل خطورة، يتمثل في التسارع اللافت للقدرات النووية الصينية.
مسودة تقرير حديثة لوزارة الدفاع الأميركية أعادت وضع بكين في قلب معادلة الردع العالمي، محذرة من تحولات عسكرية قد تعيد رسم ميزان القوى الاستراتيجية خلال سنوات قليلة.
التقرير، الذي لم يصدر بصيغته النهائية بعد، يعكس قلقًا متزايدًا داخل دوائر صنع القرار في واشنطن من غموض النوايا الصينية، لا سيما مع توسع غير مسبوق في البنية التحتية الصاروخية، وغياب أي مؤشرات على استعداد بكين للانخراط في مسارات الحد من التسلح النووي.
صواريخ في قلب المعادلة
وبحسب مسودة التقرير، يرجح أن الصين قامت بتحميل أكثر من 100 صاروخ باليستي عابر للقارات في ثلاثة مواقع إطلاق جديدة أنشأتها مؤخرًا.
المواقع، القريبة من الحدود مع منغوليا، تمثل حلقة جديدة في سلسلة منشآت صاروخية تعمل بكين على تطويرها بسرية نسبية، ما يثير تساؤلات واسعة حول حجم الترسانة الفعلية وأهداف نشرها.
الصواريخ المشار إليها من طراز يعمل بالوقود الصلب، ما يمنحها مرونة أعلى في الجاهزية وسرعة الإطلاق، ويعزز من قدرة الصين على توجيه ضربات بعيدة المدى في زمن قصير.
ورغم أن البنتاغون سبق أن أشار إلى وجود هذه المنشآت، فإن الحديث عن عدد الصواريخ المحملة بها يعكس نقلة نوعية في مستوى القلق الأميركي.
توسع أسرع من الجميع
يرى التقرير، أن الصين تشهد أسرع وتيرة تحديث وتوسيع نووي مقارنة بباقي القوى النووية، في وقت تؤكد فيه بكين رسميًا التزامها بعقيدة دفاعية وعدم المبادرة باستخدام السلاح النووي، غير أن هذا الخطاب، وفق القراءة الأميركية، لا ينسجم مع حجم الاستثمارات العسكرية ولا مع التوسع المتسارع في منصات الإطلاق والبنية التحتية المرتبطة بها.
ورغم أن مخزون الصين النووي قدر بنحو 600 رأس حربي خلال عام 2024، فإن التوقعات تشير إلى تضاعف هذا الرقم ليصل إلى أكثر من 1000 رأس نووي بحلول عام 2030، وهو ما يعني انتقال الصين من قوة ردع محدودة إلى لاعب نووي من الطراز الأول.
جمود دبلوماسي مقلق
التقرير لا يكتفي بتشخيص الواقع العسكري، بل يسلط الضوء على غياب أي رغبة صينية في الانخراط بمحادثات شاملة للحد من التسلح، هذا الموقف يأتي في وقت تتزايد فيه المخاوف من انهيار منظومة الاتفاقيات الدولية، مع اقتراب انتهاء العمل بمعاهدة “نيو ستارت”، آخر اتفاقية كبرى تضبط الترسانات النووية بين واشنطن وموسكو.
محاولات أميركية سابقة لإشراك الصين في إطار ثلاثي مع روسيا لم تثمر عن نتائج ملموسة، ما يعزز المخاوف من سباق تسلح نووي مفتوح، تزداد فيه الحسابات تعقيدًا وتقل فيه أدوات الضبط.
تايوان في الخلفية
في خلفية هذا التصعيد النووي، يبرز ملف تايوان كأحد أبرز دوافع القلق الأميركي، التقرير يشير إلى أن بكين تعمل على بناء قدرات تمكنها من خوض صراع عسكري والانتصار فيه بحلول عام 2027، وهو ما يضع المنطقة أمام سيناريوهات شديدة الحساسية، خاصة في ظل تشابك المصالح الدولية في شرق آسيا.
تحذيرات البنتاغون لا تعكس فقط قراءة استخباراتية، بل تحمل رسالة سياسية واضحة مفادها أن العالم يقف على أعتاب مرحلة جديدة من التنافس النووي.

