يواجه لبنان في لحظته الراهنة معادلة هي الأكثر تعقيدًا منذ انتهاء الحرب الأهلية، حيث تتقاطع ملفات إعادة الإعمار، أموال المودعين، وسلاح الفصائل لتشكل مثلثًا سياسيًا واقتصاديًا شائكًا.
ثلاثية اللحظة
حيث لا يمكن قراءة المشهد اللبناني اليوم بمعزل عن التداخل العضوي بين الانهيار المالي والواقع الأمني. فالمجتمع الدولي، وعلى رأسه القوى المانحة والعربية، يبعث برسائل واضحة مفادها أن “زمن الشيكات على بياض” قد ولى، وأن أي دولار سيُضخ في خزينة الدولة أو في مشاريع الإعمار سيكون مرتبطًا بمسار سياسي وأمني مختلف.
السلاح كعائق أمام الاستثمار
وينظر المستثمرون والمانحون إلى وجود السلاح خارج إطار الدولة كعامل “خطر مرتفع” ، وإعادة الإعمار تتطلب استقرارًا يدوم لعقود، وهو ما لا يتوفر في ظل “توازن الرعب” أو احتمالية اندلاع صراعات مسلحة تقضي على ما تم بناؤه في لحظات. لذا، يبرز القرار 1701 والقرارات الدولية ذات الصلة كشرط مسبق لأي عملية تمويل ضخمة.
فخ إعادة الإعمار والتمويل المشروط
وترى مصادر، أن لبنان قد يجد نفسه أمام “مقايضة القرن”؛ حيث تُعرض أموال إعادة الإعمار مقابل تنازلات سيادية مؤلمة تتعلق بحصر السلاح في يد الجيش اللبناني، هذا المسار قد يقود البلاد إلى نوع من الوصاية المالية، حيث تُدار أموال الإعمار عبر صناديق دولية مستقلة بعيدًا عن يد السلطة اللبنانية المتهمة بالفساد؛ مما يسحب البساط من تحت نفوذ القوى التقليدية.
الودائع المنهوبة
وقالت المصادر: بينما ينشغل العالم بإعادة الإعمار والسلاح، يظل المودع اللبناني هو الحلقة الأضعف، فقد تحولت الودائع من حق مالي إلى أداة ضغط سياسي.
وأكدت، أن اشتراط الإصلاح المالي وربطه بالواقع الأمني يعني أن أموال المودعين ستبقى “رهينة” حتى ينضج الحل السياسي الكبير الذي يعيد لبنان إلى الحاضنة الدولية.
الوصاية المالية
وتبرز فكرة “الوصاية المالية” كخيار “مرّ” لا بديل عنه في ظل فقدان الثقة التام بالسلطة الحاكمة. وتتضمن هذه الوصاية إشراف دولي مباشر على إدارة المرافئ، المطار، والجمارك لضمان تدفق الإيرادات بعيدًا عن التهريب ونفوذ القوى المسلحة وتقديم حوافز اقتصادية وتنموية للمناطق التي تلتزم بسلطة الدولة، مقابل حجبها عن المناطق التي تظل خارج “الشرعية”.
مخاطر “المقايضة”
وقالت المصادر: إن الدخول في فخ “الإعمار مقابل السلاح” يحمل مخاطر وجودية، فإذا اعتبرت القوى المسلحة أن سلاحها هو “ضمانة وجودية”، فإن الضغط المالي قد يؤدي إلى انفجار اجتماعي أو صدام داخلي، و هناك تخوف من أن تستخدم قوى معينة أموال الإعمار لتعزيز نفوذها من جديد تحت مسميات “الشركات القابضة” أو “الاستثمارات العابرة للطوائف”.
إلى أين يتجه لبنان؟
وترى المصادر، أن لبنان اليوم أمام مفترق طرق تاريخي؛ فإما القبول بمعادلة الالتزام الدولي من إعمار وودائع وسيادة وسلاح تحت الدولة، أو البقاء في حالة “الرماد”، حيث لا إعمار ولا اقتصاد، مع استمرار سطوة السلاح التي تعزل البلاد عن نظامها المالي العالمي.
إن “ثلاثية اللحظة”: “السلاح، الودائع، الإعمار” هي التي ستحدد وجه لبنان في العقد القادم، والواضح أن المجتمع الدولي لن يبني حجرًا واحدًا قبل أن يطمئن إلى أن “القرار السيادي” لم يعد مشتتًا بين الدويلة والدولة، ولا يمكن للبنان أن يعاد إعماره بعقلية “المحاصصة” القديمة، كما لا يمكن استعادة الودائع في ظل اقتصاد معزول، وإن الطريق الوحيد هو بناء دولة المواطنة التي تمتلك حصريًا أدوات القوة والقرار المالي، والوصاية المالية قد تكون شرًا لابد منه لتطهير المؤسسات، لكنها يجب أن تكون معبرًا نحو السيادة الحقيقية لا بديلاً عنها.

