كشفت دراسة بحثية حديثة أصدرها “المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات” عن تفاصيل صادمة تتعلق بما وصفته بالتغلغل الهادئ لنفوذ جماعة الإخوان المسلمين داخل المجتمع الفرنسي.
وحذرت الدراسة من أن هذا النفوذ ينمو بعيدًا عن الرقابة الأمنية التقليدية، متخذًا من العمل المدني والحقوقي ستارًا لتمرير أجندة “التمكين” الإخوانية؛ مما يضع الدولة الفرنسية أمام تحدٍّ وجودي يهدد هويتها الثقافية والسياسية.
اختراق الجمعيات والمجتمع المدني
وأشارت الدراسة إلى أن الجماعة اعتمدت تكتيك “حصان طروادة”، حيث أسست شبكة معقدة من الجمعيات التي لا تحمل مسميات دينية صريحة، بل تعمل تحت شعارات جذابة مثل: “مكافحة الإسلاموفوبيا”، “حقوق الإنسان”، و”العمل الخيري”.
وتستغل هذه الشبكات ثغرات القوانين الفرنسية لتصوير أي محاولة لانتقاد نفوذ الجماعة كأنه هجوم على الإسلام والمسلمين، مما يدفع السلطات أحيانًا للتراجع خوفًا من اتهامات “العنصرية”، وتعمل هذه الجمعيات في الضواحي الفرنسية المهمشة، حيث تقدم خدمات اجتماعية وتعليمية بديلة عن مؤسسات الدولة، مما يخلق ولاءً شعبيًا للجماعة بعيدًا عن أجهزة الدولة الرسمية.
كيف تُستهدف “العلمانية” من الداخل؟
تعتبر المدارس الفرنسية الحصن الأخير للعلمانية، وهي الساحة التي يركز الإخوان جهودهم عليها حاليًا، ووفقًا للتقرير البحثي، فإن الجماعة تسعى إلى تشجيع “الانفصالية الشعورية” عبر زرع أفكار لدى الطلاب المسلمين بأن قيم الجمهورية تتصادم مع معتقداتهم الدينية والتغلغل في لجان أولياء الأمور، للضغط من أجل تعديل المناهج الدراسية أو الحصول على استثناءات دينية تتعلق بالزي أو الوجبات المدرسية، وهو ما تراه الدراسة “قضمًا تدريجيًا” لمبادئ العلمانية وتأسيس مدارس خاصة، حيث زاد عدد المدارس الخاصة التابعة لجهات مقربة من الإخوان، حيث يتم تقديم تعليم موازٍ يركز على أيديولوجية “التمكين” تحت غطاء التفوق الأكاديمي.
القوة الناعمة واللوبي السياسي “الهادئ”
ورصدت الدراسة وجود باحثين وأكاديميين في مراكز فكر فرنسية يتبنون سرديات الجماعة ويدافعون عنها في وسائل الإعلام، مصورين الإخوان كـ “إسلام ديمقراطي” معتدل يمكن للدولة الحوار معه.
وتطرقت الدراسة إلى الجانب المالي، محذرة من “شبكات تمويل معقدة” تتلقى دعمًا من جهات خارجية وعبر تبرعات داخلية ضخمة، حيث يتم استخدام هذه الأموال ليس فقط في بناء المراكز، بل في تمويل حملات إعلامية وقانونية لمواجهة أي قوانين حكومية تهدف لتحجيم نفوذهم، مثل قانون “تعزيز قيم الجمهورية” الذي صدر مؤخرًا.
رد فعل الدولة الفرنسية
ورغم محاولات الرئيس إيمانويل ماكرون وحكومته محاصرة ما يسمى بـ “الانفصالية الإسلاموية“، إلا أن الدراسة ترى أن الإجراءات الأمنية وحدها غير كافية.
وتوصي الدراسة، بأن المواجهة يجب أن تكون فكرية بالأساس، عبر دعم تيار إسلامي “فرنسي” يرفض الأيديولوجيات العابرة للحدود ويؤمن بقيم المواطنة.
ما هي التداعيات على الأمن القومي الأوروبي؟
لا يتوقف الخطر عند حدود فرنسا؛ فالتجربة الإخوانية في باريس تُعد “نموذجًا ملهمًا” لفروع الجماعة في ألمانيا، بلجيكا، والنمسا، فالتغلغل في فرنسا يعني الوصول إلى قلب القرار الأوروبي؛ مما يهدد الاستقرار المجتمعي في القارة العجوز على المدى الطويل عبر خلق “مجتمعات موازية” لا تؤمن بقوانين الدولة.

