منذ أعوام، نجحت جماعة الإخوان في بناء منظومة مالية معقدة عابرة للحدود، لم تعتمد فقط على التبرعات التقليدية أو القنوات الخيرية، بل استندت إلى قطاع اقتصادي ضخم ومتنامٍ يعرف عالميًا باسم “بيزنس الحلال”.
ويعد هذا السوق، الذي تُقدّر قيمته بتريليونات الدولارات، تحول تدريجيًا إلى إحدى أكثر الأدوات فاعلية في تمويل التنظيم وتوسيع نفوذه، بعيدًا عن الأضواء والرقابة المباشرة.
استراتيجية قائمة على الفصل الشكلي
اعتمد التنظيم على استراتيجية قائمة على الفصل الشكلي بينه وبين الأنشطة التجارية، عبر إنشاء واجهات مستقلة تعمل تحت مسميات إسلامية عامة، من دون أي ارتباط قانوني أو تنظيمي معلن بالإخوان.
كما أن هذه الواجهات تولت إدارة نشاط إصدار شهادات “الحلال” للمنتجات الغذائية والدوائية والمطاعم والمجازر وشركات التصدير، مستفيدة من الطلب المتزايد عالميًا على هذه الشهادات، خصوصًا في الأسواق غير الإسلامية.
استغلال المجتمعات المسلمة المحلية
في الدول الأوروبية والأميركيتين وآسيا، استغلت الأذرع الإخوانية وجودها داخل المجتمعات المسلمة المحلية، فأنشأت غرفًا تجارية وهيئات اعتماد ومؤسسات دينية تتولى منح شهادات الحلال.
ورغم أن هذه الكيانات لا تصدر الشهادات باسم التنظيم، فإنها ترتبط عمليًا بمراكز إسلامية وجمعيات يديرها أو يؤثر فيها الإخوان، ما يسمح بتدوير جزء من العوائد المالية لدعم أنشطة فكرية وتنظيمية تخدم أيديولوجيا الجماعة، وتكمن خطورة هذا النموذج في بساطته وفاعليته.
فالحصول على شهادة الحلال بات شرطًا أساسيًا لدخول العديد من الأسواق، ما يفرض على الشركات دفع رسوم دورية، غالبًا سنوية، مقابل الاعتماد أو تجديده.
ومع اتساع نطاق المنتجات والخدمات المشمولة، يتحول هذا النظام إلى مصدر دخل دائم، يدر أموالًا طائلة مع كل عملية بيع لسلعة تحمل ختم “الحلال”.
كما أن هذا التدفق المالي المستمر يتم في بيئة قانونية معقدة، تسمح بقدر كبير من المناورة.
فالكيانات العاملة في هذا المجال غالبًا ما تكون شركات خاصة غير مدرجة، لا تخضع لمتطلبات الإفصاح المالي العلني، ما يقلل من فرص تتبع مسارات الأموال أو كشف وجهتها النهائية.
كما أن التبرعات لا تُقدّم بصورة مباشرة لتنظيمات مصنفة أو كيانات مثيرة للجدل، بل تمر عبر مسارات متعددة تشمل أنشطة طلابية أو دعوية أو إغاثية، ما يمنحها غطاءً قانونيًا يصعّب الطعن فيه.
في بعض الدول، أُثيرت تساؤلات متكررة حول ارتباط مؤسسات الحلال بشبكات إخوانية، غير أن غياب الأدلة القانونية المباشرة حال دون اتخاذ إجراءات حاسمة.
هذا الواقع يعكس نجاح الجماعة في بناء نموذج تمويلي يتفادى الربط المباشر، ويستفيد من الثغرات التشريعية، ويذوب داخل سوق عالمي واسع تتشابك فيه المصالح الاقتصادية والدينية.
وبهذا الأسلوب، لم يعد “بيزنس الحلال” مجرد نشاط تجاري أو ديني، بل تحوّل لدى الإخوان إلى أداة استراتيجية طويلة الأمد، تضمن الاستدامة المالية، وتُعزّز الحضور التنظيمي، وتوفر مظلة حماية قانونية يصعب اختراقها، وشبكة نفوذ هادئة، لكنها فعّالة، أعادت تعريف التمويل السياسي غير المعلن في العصر الحديث.

