مع اشتداد الحرب الأمنية والسياسية على تجارة المخدرات في العراق، تبرز تساؤلات عميقة حول طبيعة الإجراءات المعتمدة لتجفيف الموارد المالية التي تقف خلف شبكات الاتجار وتغذية العنف المنظم.
فخلال الأشهر الأخيرة، قادت السلطات العراقية حملة توصف بأنها الأكبر منذ سنوات ضد أخطر العصابات، في ظل تنسيق متصاعد بين وزارات الداخلية والعدل والهيئات الرقابية والبنك المركزي، ويبدو أن هذا التحرك لا يستهدف المصنّعين والمهرّبين وحدهم، بل يتجاوزهم نحو البُنى المالية التي تشكّل شريان حياة تلك المنظمات.
لماذا يتعامل العراق مع الملف كتهديد وجودي؟
وتعتبر الجهات الأمنية العراقية أن الاتجار بالمخدرات لم يعد جريمة جنائية عادية، بل تحوّل إلى بنية منظمة تعبر المحافظات والحدود، تمتلك أنماط تمويل معقّدة تتداخل فيها شبكات سياسية واقتصادية وميليشياوية خلال سنوات الفوضى، هذا التطور جعل تجارة المخدرات تمثل مصدرًا ضخمًا للأرباح غير الشرعية ووسيلة لتمويل عصابات العنف المسلح في المدن ومدخلًا لتبييض الأموال عبر العقارات والشركات الوهمية وبابًا لتمرير العملات وخلق اقتصاد موازٍ يهدّد استقرار الدولة.
وبحسب مسؤولين أمنيين، فإن أخطر ما في الملف هو تزاوج المال بالسلاح، إذ تستخدم العصابات جزءًا من أرباح المخدرات لشراء أسلحة أو دفع رشاوى أو إدارة شبكات تهريب بشر وسلع أخرى، وهذا الترابط دفع الحكومة إلى إعادة تعريف التهديد باعتباره أمنًا قوميًا يتطلب معالجة مالية وقانونية موازية للمعالجة الأمنية.
الطبقة الأكثر تعقيدًا في الحرب
وتقول مصادر رسمية: إن الخطوة الأكثر حساسية في الحرب الحالية تتمثل في ضرب البنية المالية للشبكات، إذ لا يكفي إيقاف المروّجين بينما تبقى حسابات الوسطاء ورؤوس الشبكات تعمل في الظل.
وبحسب المعلومات المتداولة، هناك ثلاث آليات رئيسية باتت تُستخدم لتنفيذ عملية التجفيف منها تجميد الحسابات المشتبه بها وتفكيك شركات الواجهة و تشديد الرقابة على المنافذ الحدودية.
أين تقع الأحزاب والتيارات من معركة التجفيف؟
وأشارت مصادر إلى أن نجاح الحرب مرتبط بقدرة الدولة على عزل الملف عن التجاذبات السياسية، خصوصًا أن بعض العصابات تستفيد من حماية جهات متنفذة أو تستغل الانقسامات بين القوى السياسية، ويُحذر مختصون من أن أي تراخٍ سياسي أو تغطية غير مباشرة على بعض المتورطين قد يعيد إنتاج الشبكات بشكل أقوى.
يذكر، أن الحملة العراقية الحالية تكشف عن تحوّل جذري في طريقة التعامل مع ملف المخدرات، حيث أصبح التركيز منصبًا على المال قبل السلاح، وعلى الشبكات قبل الأفراد، ورغم ما تواجهه المؤسسات من تحديات تتعلق بالفساد وبطء الإجراءات، إلا أن دلالات التحرك الأخير تشير إلى تصميم حكومي واضح على كسر الحلقة المالية للعصابات، تمهيدًا لإعادة ضبط الأمن والاستقرار.

