مع استمرار التصعيد على الحدود اللبنانية – الإسرائيلية منذ أشهر، تتزايد الأسئلة حول مستقبل المواجهة، وما إذا كان حزب الله بصدد إجراء تغيير جذري في قواعد الاشتباك التي حكمت العلاقة بينه وبين إسرائيل منذ حرب يوليو 2006.
وقالت مصادر: إنه في ظل تعقيد المشهد الإقليمي وتحوّل الصراع في غزة إلى عامل ضغط إضافي، يجد حزب الله نفسه أمام الخيار الصعب إما مواصلة استراتيجية الاستنزاف، أو الانتقال إلى مرحلة جديدة تتجاوز خطوط اللعبة التقليدية التي استمرت نحو عقدين.
قواعد الاشتباك
وأكدت المصادر، أنه خلال السنوات التي تلت حرب يوليو، تشكلت معادلة واضحة تقوم على مبدأ الرد المحسوب، فالحزب يرد على أي استهداف مباشر لعناصره داخل لبنان، وإسرائيل تلتزم بعدم توسيع دائرة المواجهة بشكل يطلق حربًا جديدة، هذه المعادلة سمحت للطرفين بتجنب الحرب الشاملة، رغم التوترات المتقطعة في سوريا وعمليات الاستطلاع الجوية والاشتباكات الحدودية المحدودة، لكن ما بعد السابع من أكتوبر 2023، بدأت هذه القواعد تهتز بقوة، بعدما فتح الحزب جبهة الجنوب تضامنًا مع غزة، ليبدأ نمط جديد من العمليات، شمل استهدافات نوعية بصواريخ دقيقة، ومسيرات هجومية، ونشر قدرات جديدة عند الخط الأزرق.
حزب الله أمام معادلة معقدة
وأشارت المصادر، أن هناك عدة عوامل تدفع الحزب إلى التفكير في تعديل قواعد الاشتباك، بعضها استراتيجي وبعضها ظرفي منها الضغوط الإقليمية وتوازنات دعم غزة و حسابات الردع فمع توسع القدرات الإسرائيلية الاستخباراتية والتكنولوجية، يخشى الحزب من انهيار معادلة الردع إذا لم يرفع مستوى المواجهة في نقاط معينة تؤكد قدراته.
ورغم الأزمة الاقتصادية، هناك قطاعات واسعة من جمهوره تتوقع منه دورًا أكبر دعماً لغزة، لذا قد يسعى الحزب إلى موازنة ضغط الداخل والخارج بعمليات محسوبة لكن أكثر قوة، فالمطالب الإسرائيلية بطرد قوات الحزب من الجنوب وإعادة انتشار الجيش اللبناني بدعم دولي، تجعل الحزب أكثر حرصًا على منع تغييرات ميدانية قد تضعف نفوذه لاحقًا.
لماذا قد يمتنع الحزب عن تغيير قواعد الاشتباك الآن؟
ورغم كل ما سبق، هناك أسباب قوية قد تدفع الحزب إلى تجنب الانزلاق إلى حرب واسعة منها الوضع الاقتصادي اللبناني الكارثي وحسابات إيران الداعم الرئيسي للحزب، حيث أنه لا تبدو راغبة في حرب إقليمية شاملة قد تستنزف نفوذها أو تضر بمسار مفاوضاتها الدولية، كما أن الحزب قدّم خسائر محدودة نسبيًا خلال الأشهر الماضية، لكنه يدرك أن حربًا واسعة ستعني سقوط مئات المقاتلين وخسارة مقدرات استراتيجية، ومع ازدياد المبادرات الأمريكية والفرنسية، يخشى الحزب من أن يتحول التصعيد إلى ذريعة لإعادة رسم وضع الجنوب سياسيًا وأمنيًا.
سيناريوهات التغيير
واختتمت المصادر، أنه إذا قرر حزب الله تعديل قواعد الاشتباك، فغالبًا لن يتجه إلى حرب شاملة مباشرة، لكنه قد يرفع مستوى المواجهة وفق ثلاثة سيناريوهات منها توسيع رقعة الاستهداف داخل إسرائيل واستهدافات نوعية ضد مواقع استراتيجية و إدخال أسلحة جديدة.
يذكر، أنه مع غياب حل سياسي قريب، تظل قواعد الاشتباك مرنة وقابلة للتغير، فالحزب يدرك أن أي خطوة غير محسوبة قد تشعل حربًا غير مرغوبة، لكنه في الوقت نفسه لن يسمح بانهيار معادلة الردع التي راكمها خلال 20 عامًا، ولذلك، يبدو أن الأشهر المقبلة ستشهد اشتباكًا بين الرسائل وليس الجيوش، حيث يحاول الطرفان اختبار الخطوط الحمراء دون تجاوزها بالكامل.

