تتكشف في السويد واحدة من أكبر فضائح الاختراق الإخواني في أوروبا، في مشهد يعيد إنتاج النمط ذاته الذي اتبعه التنظيم لعقود في دول غربية عديدة.
ووفق تحقيق موسّع لصحيفة إكسبرسن السويدية، فإن ما حدث لم يكن فسادًا ماليًا عابرًا، بل بناء بُنى موازية كاملة داخل الدولة، امتدت من رياض الأطفال إلى المدارس والجمعيات الدينية، عبر شبكة معقدة من الأئمة والمحاسبين المرتبطين بتنظيم الإخوان.
مواجهة مفتوحة مع الإخوان
بدأت تفاصيل القضية بالظهور التدريجي بعد إغلاق عدد من المدارس والروضات الصغيرة في غوتنبرغ وأوميو وجيفليه وشمال البلاد، وكانت السلطات تبرّر الإغلاق في البداية بأنه ناتج عن سوء إدارة أو مخالفات فردية، لكن ما كشفه تحقيق إكسبرسن أثبت خلاف ذلك تمامًا.
ووفق هيئة الجرائم الاقتصادية السويدية، تمثل الفضيحة خسارة مزدوجة، منها نهب مباشر للمال العام، وحرمان للأطفال من التعليم الذي خُصصت له تلك الأموال.
مدارس تتحول إلى بوابة نهب واسعة
انفجرت القضية بعدما داهمت الشرطة شقة في حي سويتره بجيفليه بحثًا عن ربيع كرم، أحد أبرز المساهمين في تأسيس مدرسة نيا كاستيتس وشريكًا في مدارس أخرى. ورغم إدانته عام 2024 في جرائم محاسبية، ظهر لاحقًا في تسجيلات صوتية من خارج البلاد متحدثًا عن مرضه وعجزه المالي، في محاولة للهروب من الملاحقة.
وتبيّن لاحقًا أن عمليات الإغلاق المختلفة للمدارس لم تكن سوى حلقات من شبكة واحدة، يقودها أئمة وشخصيات مرتبطة بالإخوان، يديرون شركات متشابكة لتحويل أموال التعليم إلى الخارج.
أبرز الأسماء المتورطة
ووفق التقرير، من أبرز الأسماء المتورطة عبدالرزاق وابيري، النائب السابق عن حزب المعتدلين والمدير التنفيذي لشبكة مدارس روموس.
وحصلت مدارسه على 462 مليون كرونة (نحو 43.8 مليون دولار) من التمويل العام، بينما كشف التحقيق عن اختفاء 12 مليون كرونة عبر فواتير تكنولوجيا مزيفة.
جزء من الأموال ذهب إلى إسلاميين في الصومال، وجزء آخر إلى تمويلات في جنوب شرق آسيا ونيروبي. اليوم يقضي وابيري حكمًا بالسجن 4 سنوات و6 أشهر، بينما بلغت ديونه وشركاته المفلسة أكثر من 6 ملايين كرونة.
كما يبرز أيضًا اسم الإمام عبد الناصر النادي، الذي أدار مدارس عدة مثل فيتنشابسكولان، وعُرف بصلاته مع متطرفين، بل بتوظيف عائدين من داعش داخل المدارس.
في عام 2019، صنّفه جهاز الأمن السويدي تهديدًا للأمن القومي. وخلال التحقيقات، تبيّن أنه حوّل 4.2 مليون كرونة إلى حساب استثماري في مالطا، بينما تلاحقه مصلحة الضرائب بديون تتجاوز 5 ملايين كرونة، وقد غادر السويد إلى إحدى الدول العربية قبل استكمال التحقيق ضده.
الإمام أبو رعد، أحد أبرز المتشددين، اعتُقل عام 2019، وصُنّف تهديدًا مباشرًا للأمن القومي، ورغم قرار ترحيله، نجح في مغادرة البلاد قبل التنفيذ، ورُصد لاحقًا في تركيا قبل اختفائه مجددًا. وكان مرتبطًا بمدرسة نيا كاستيتس التي أغلقتها السلطات بسبب التطرف والاحتيال المالي.
وفي مدينة أوميو، كان الإمام حسين الجبوري يشغل منصب أمين صندوق لروضات بِلال. أُدين بتحويلات مالية غير مبرّرة بملايين الكرونات، ويقضي حاليًا حكمًا بالسجن لعامين، بينما تلاحقه ديون ضريبية تفوق مليون كرونة.
ويُعد المحاسب محمد القطراني، صهر أبو رعد، العقل المالي للشبكة، وقد أُدين عام 2024 بتضخيم حسابات مدرسة نيا كاستيتس عبر تحويلات داخلية تُظهر وضعًا ماليًا وهميًا يضمن استمرار التمويل الحكومي.
ورغم صدور قرار يمنعه من العمل التجاري لثلاث سنوات، كشفت سجلات رسمية أنه واصل إدارة نحو عشرين شركة، وتلاحقه ضرائب تفوق 2.1 مليون كرونة، بينما تشير معلومات إلى هروبه خارج البلاد.
وقالت مصادر إن الفضيحة كشفت ليس مجرد فساد مالي، بل نموذج اختراق كامل استخدم التعليم والرفاه الاجتماعي والسياسة والدين لبناء منظومة موازية، وهو ما سيجعل معركة السويد مع تنظيم الإخوان واحدة من أعقد مواجهات الأمن المجتمعي في أوروبا خلال السنوات المقبلة.

