تشهد الساحة اليمنية واحدة من أكثر مراحلها حساسية منذ سنوات، مع بروز مؤشرات على إعادة رسم الاصطفافات السياسية بين القوى المتنافسة.
في قلب هذه التحولات يبرز توجه بعض الشخصيات المحسوبة على تيار الإخوان نحو فتح قنوات اتصال غير معلنة مع جماعة الحوثي، في محاولة لإعادة تموضع داخل مشهد تتغير موازينه بسرعة.
وهذا التحول لا يأتي بمعزل عن الضغوط المحلية والإقليمية التي تضغط على الجماعة، بل يعكس محاولة يائسة لاستعادة نفوذ آخذ في التلاشي.
حسابات الإخوان في لحظة مأزومة
وتواجه الجماعة منذ فترة تراجعًا واضحًا في حضورها السياسي والعسكري داخل اليمن، بعد خسارتها مساحات واسعة كانت تعتمد عليها في الجنوب ومأرب وتعز.
وفي ظل تضاؤل خياراتها، ظهر اتجاه داخل بعض الدوائر الإخوانية يرى أن التواصل مع الحوثيين قد يفتح نافذة جديدة لتثبيت دور سياسي، ولو من بوابة استرضاء القوة الأكثر تمددًا في الشمال.
ومثل هذا التوجه يعكس إدراكًا بأن الجماعة لم تعد تملك ما يكفي من أدوات القوة لخلق أوراق ضغط مستقلة، ما يدفعها للبحث عن معادلات بديلة حتى لو كانت محفوفة بالتناقضات.
قنوات في الظل ومصالح متشابكة
والخطوات الأولية التي بدأت بالظهور عبر بعض الشخصيات الإخوانية لا تبدو مجرد سلوك فردي بقدر ما هي محاولة لاختبار ردود الفعل. فتح قنوات مع الحوثيين، سواء كانت مباشرة أو عبر وسطاء، يحمل دلالات أعمق من مجرد تقارب مؤقت.
الجماعة التي عاشت لسنوات على هامش التحالفات التقليدية باتت تدرك أن بقاءها خارج أي اتفاق مستقبلي قد يطيح بما تبقى لها من حضور.
وهذا الإدراك يفسّر ميل بعض رموزها إلى التلويح بإمكانية الانفتاح على صنعاء، في خطوة تنطوي على محاولة لاستباق التطورات المقبلة داخل مسارات التسوية السياسية.
انعكاسات على المشهد الجنوبي
هذا التحرك يثير قلقًا واسعًا في المحافظات الجنوبية التي شهدت خلال السنوات الماضية مواجهات مباشرة مع التنظيمات الإخوانية، خصوصًا في عدن وأبين.
فتح قنوات مع الحوثيين يطرح جملة من التساؤلات حول ما إذا كانت الجماعة تسعى لاستخدام هذا التقارب وسيلة لإعادة الدخول إلى الجنوب بطرق التفافية، أو لتوظيفه كورقة ضغط سياسية في أي تفاوض مقبل.
بالنظر إلى تجارب الماضي، فإن أي تقارب من هذا النوع ينظر إليه على أنه محاولة لخلط الأوراق وإعادة تشكيل التحالفات داخل مناطق لطالما اعتبرت حساسة أمنيًا وسياسيًا.
مؤشرات على إعادة التموضع
والتوجه الجديد لا يعني أن الجماعة قررت تغيير موقفها بشكل نهائي، لكنه يكشف عن استعدادها للانتقال بين الضفاف وفقًا لمصالحها الآنية.
التقارب مع الحوثيين، ولو على مستوى الرسائل والتلميحات، يعكس حالة من الاضطراب داخل صفوف الإخوان ومحاولة لإعادة صياغة دورهم في ظل اختفاء أدوات النفوذ التي اعتمدوا عليها لسنوات.
هذه التحركات قد تشكل بداية لمرحلة مختلفة، عنوانها الأساسي البحث عن مظلة جديدة تضمن بقاء الجماعة داخل المشهد، حتى وإن كان ذلك عبر بوابات كانت تُعد سابقًا خطوطاً حمراء.
خاتمة المشهد المضطرب
في ظل هذا المشهد، تبدو الاصطفافات في اليمن مرشحة لمزيد من التحولات، مع استمرار القوى السياسية في إعادة حساباتها وفقًا لموازين القوة على الأرض.
محاولات الإخوان لفتح قنوات مع الحوثيين ليست مجرد تفصيل عابر، بل مؤشر على مرحلة انتقالية تعيد فيها الجماعة تقييم خياراتها وتبحث عن موقع جديد داخل معادلة تتغير ملامحها بسرعة.

