على مدار عقود، شكّلت فرنسا أكبر تجمع للجاليات المسلمة في أوروبا، ومعها خاضت الدولة معركة طويلة حول علمانية الدولة، وتنظيم الخطاب الديني، ومكافحة التطرف. هذا المناخ جعل جماعة الإخوان ترى فرصة تاريخية لبناء قاعدة نفوذ اجتماعي وسياسي.
أدوات التغلغل والتمدد للإخوان في فرنسا
وقالت مصادر إن الإخوان تعتمد على أدوات متعددة، أبرزها جمعيات ثقافية تُقدّم نفسها كدعاة اعتدال، ومؤسسات تعليمية، ومساجد تديرها شخصيات مرتبطة بالتنظيم، وشبكات تمويل تأتي من الخارج، خاصة من دول يرتبط تنظيم الإخوان بها أيديولوجيًا، وتحالفات سياسية ظرفية مع جهات داخلية تسعى لجذب أصوات المهاجرين. ومع كل صراع إقليمي، كانت الجماعة تجد فرصة جديدة لإعادة تدوير خطابها وتوسيع حضورها.
وأوضحت المصادر أنه منذ اندلاع الثورات العربية عام 2011، مرّت المنطقة بسلسلة أزمات، منها الحرب في سوريا، والصراع في ليبيا، والحرب على غزة. كل هذه الأحداث وفرت للإخوان مادة خصبة لبناء سردية جديدة داخل فرنسا.
كيف استغلت الإخوان الأزمات الإنسانية؟
وأشارت المصادر إلى أنه عند كل أزمة في الشرق الأوسط، تسعى الجماعة إلى احتكار الكلام باسم الجاليات العربية والمسلمة داخل فرنسا، وتقدم نفسها كطرف يتحدث بلسانهم، من خلال تنظيم تظاهرات تحت شعارات حقوقية، والسيطرة على لجان الدعم الإنساني، وتوجيه الخطاب الإعلامي نحو روايات تخدم أهدافها السياسية. وغالبًا ما يتم توظيف المعاناة الإنسانية لتبرير خطاب سياسي يخدم التنظيم أكثر مما يخدم الضحايا.
وأضافت أن الإخوان تستثمر في التوترات بين الغرب والشرق لتعميق شعور الاغتراب لدى بعض المسلمين في فرنسا، وتصوير الدولة الفرنسية وكأنها خصم لهوياتهم، وهو ما يسمح لها باستقطاب الشباب وبناء دوائر مغلقة تدين بالولاء للفكر الإخواني.
التمويل السري
وكشفت المصادر أن جماعة الإخوان تدرك أن العمل العلني في أوروبا يواجه رقابة صارمة، لذلك اعتمدت على نموذج الشبكات الخفية، الذي يقوم على بناء طبقات من المؤسسات الظاهر منها ما يبدو بريئًا، بينما الباطن يرتبط مباشرة بقيادات التنظيم.
وقالت إن الجماعة اعتمدت على دعم مالي من جهات خارجية، إضافة إلى نظام تبرعات داخلي معقد يصعب تتبعه، ما يعطي الإخوان قدرة على تمويل نشاطاتها دون لفت الانتباه. كما تتسلل الجماعة إلى المنظمات الحقوقية الفرنسية والدولية، مستغلة لغة الحقوق والحريات للدفاع عن عناصر تنتمي إليها أو لتشويه خصومها، مستخدمة بذلك واجهات مدنية تُغطي أهدافًا سياسية.
لماذا تخشى فرنسا من تمدّد الإخوان؟
وضمن مخاطر الإخوان، قالت المصادر إن باريس ترى أن نفوذ الإخوان يُمثِّل تهديدًا لبنية الدولة العلمانية، إذ يعمل التنظيم على خلق مجتمع موازٍ بقيم خاصة به، ما قد يؤدي إلى تآكل قيم الدولة المدنية، وتكوين جزر مجتمعية مغلقة، وتصاعد خطاب الرفض والعزلة، وتعزيز التطرف، وخلق بيئة خصبة للاستقطاب.
وقد أكدت تقارير استخباراتية فرنسية أن التنظيم يسعى إلى بناء نفوذ طويل الأمد، لا يعتمد على العمل السياسي المباشر، وإنما على إعادة تشكيل الوعي الاجتماعي داخل الجاليات.
كيف ستواجه فرنسا هذا النفوذ مستقبلاً؟
وترى المصادر أنه مع تزايد التوترات الإقليمية، تدرك الدولة الفرنسية أن المواجهة تحتاج إلى خطة متعددة الأبعاد، منها رقابة أشد على التمويل الخارجي، وتعزيز الجهود الاستخباراتية.
استغلال الصراعات الإقليمية
واختتمت المصادر أنه لا تزال جماعة الإخوان في فرنسا جزءًا من شبكة عالمية تستثمر في تغيّر المزاج الدولي والصراعات الإقليمية لتعزيز حضورها. ومع تصاعد التوترات في الشرق الأوسط، يبدو أن التنظيم سيحاول استغلال كل فرصة لتوسيع شبكته داخل المجتمع الفرنسي، لكن في المقابل، تعي فرنسا حجم التحدي، وتدرك أن المواجهة لن تكون أمنية فقط، بل اجتماعية، وثقافية، واقتصادية، وتهدف إلى منع أي جهة من استخدام التوترات الخارجية لبناء نفوذ داخلي يهدد وحدة الدولة.

