تسارعت التطورات السياسية في الملف السوري بعد الزيارة التاريخية التي قام بها الرئيس السوري أحمد الشرع إلى واشنطن، وهي الزيارة التي كسرت جدار القطيعة الدبلوماسية المستمر منذ عقود، وأعادت سوريا إلى طاولة الحوار الدولي كلاعبٍ لا يمكن تجاهله.
ويرى المبعوث الأميركي توم براك أن هذا الحدث يمثل “نقطة تحول حاسمة” في تاريخ الشرق الأوسط، مؤكداً أن التحول السوري الجديد يعكس إرادة واضحة للانفتاح وإعادة التموضع السياسي بعيداً عن مرحلة العزلة.
زيارة تاريخية ومكاسب متعددة
زيارة الشرع إلى البيت الأبيض لم تكن مجرد بروتوكول سياسي، بل شكّلت إعلاناً ضمنياً عن دخول سوريا مرحلة جديدة من العلاقات مع الولايات المتحدة.
وخلال اللقاء الذي جمع الرئيسين الشرع وترامب، برزت لغة جديدة قائمة على “الشراكة لا المواجهة”، وهو ما اعتبره مراقبون مؤشراً على رغبة الطرفين في إعادة صياغة المصالح المشتركة، بما يخدم الاستقرار الإقليمي ويحدّ من تمدد القوى غير النظامية في المنطقة.
اللقاء فتح الباب أمام نقاشات اقتصادية مهمة حول مشاريع إعادة الإعمار، وعودة سوريا إلى النظام المالي الدولي، في إطار خطة شاملة لتحويلها من ساحة صراع إلى منصة للاستثمار والاستقرار.
التحالف الجديد ضد الإرهاب
من النقاط الأبرز في مباحثات واشنطن، إعلان سوريا التزامها الكامل بالانضمام إلى التحالف الدولي ضد تنظيم داعش، في خطوة فسرها محللون بأنها محاولة لإثبات حسن النية أمام المجتمع الدولي.
البيان الصادر عن براك أشار إلى أن سوريا “ستعمل بنشاط على مواجهة وتفكيك بقايا داعش والحرس الثوري الإيراني وحزب الله”، وهو ما اعتُبر تحولاً جذرياً في أولويات السياسة السورية بعد سنوات من الارتباط بمحور طهران.
هذا التحالف الثلاثي الجديد – الأميركي التركي السوري – سيعيد رسم خريطة النفوذ العسكري في شمال البلاد، مع الحديث عن دمج “قوات سوريا الديمقراطية” ضمن الهيكلين الدفاعي والاقتصادي السوريين.
نحو إعادة تعريف العلاقات الإقليمية
لم تقف طموحات واشنطن ودمشق عند حدود التعاون الأمني، بل امتدت إلى إعادة تعريف العلاقات الإقليمية، بما في ذلك العلاقة بين سوريا وتركيا وإسرائيل.
فوفق التصورات المطروحة في المباحثات، يجري العمل على وضع أسس لتسوية شاملة للملفات الحدودية، بالتوازي مع تثبيت اتفاقات وقف إطلاق النار في غزة ولبنان، في إطار رؤية أوسع تهدف إلى استقرار المشرق العربي.
الخطوة التالية.. رفع العقوبات وفتح الأبواب
في ختام تصريحاته، شدد توم براك على أن “الخطوة التالية” نحو استكمال هذا التحول هي إلغاء قانون “قيصر”، الذي شكّل لسنوات العائق الأكبر أمام تعافي الاقتصاد السوري.
وأكد أن رفع العقوبات سيمكن الحكومة الجديدة من إعادة تشغيل عجلة الاقتصاد، واستقطاب الاستثمارات، وإعادة دمج البلاد في محيطها العربي والدولي.
ويرى مراقبون أن هذه الدعوة، إذا ما تحققت، ستفتح صفحة جديدة في التاريخ السوري، حيث تتحول دمشق من رمزٍ للعزلة إلى محورٍ للشراكة في بناء شرق أوسط أكثر استقراراً وتوازناً.

