تتجه العلاقات بين إسرائيل وألمانيا نحو مرحلة توتر دبلوماسي غير مسبوقة، بعد أن طالبت تل أبيب برلين بتسريع تصدير شحنات الأسلحة التي علقتها الحكومة الألمانية في أعقاب الحرب على غزة.
وبينما ترى إسرائيل أن القرار الألماني يضر بأمنها القومي، تعتبر برلين أن من واجبها إعادة تقييم صادراتها في ضوء الالتزامات الأخلاقية والقانونية تجاه المدنيين الفلسطينيين؛ مما جعل ملف التسليح يتحول إلى محور صراع سياسي ودبلوماسي بين البلدين.
تل أبيب تضغط من أجل “حق الدفاع”
تسعى الحكومة الإسرائيلية إلى استثمار فترة الهدوء النسبي بعد وقف إطلاق النار في غزة لإقناع ألمانيا برفع الحظر المؤقت على صادرات السلاح.
وتؤكد تل أبيب، أن القيود المفروضة منذ أغسطس الماضي تقيد قدرتها على الردع في مواجهة الفصائل المسلحة، معتبرة أن “الدفاع عن النفس” لا يمكن أن يتحقق دون استمرار الدعم العسكري الغربي.
في المقابل، يرى مراقبون، أن إسرائيل تحاول من خلال هذا الضغط تعويض تراجع الدعم الشعبي الأوروبي بعد الحرب، وتحويل النقاش حول جرائم الحرب المزعومة إلى قضية أمن مشترك بين الديمقراطيات الغربية.
برلين بين القانون والالتزام التاريخي
القرار الألماني بوقف تصدير الأسلحة القابلة للاستخدام في العمليات القتالية جاء في لحظة سياسية حرجة، إذ حاول المستشار فريدريش ميرتس الموازنة بين الالتزامات التاريخية تجاه إسرائيل وبين تصاعد الضغوط الداخلية والدولية للمطالبة بمحاسبة تل أبيب على الانتهاكات في غزة.
ورغم إقراره لاحقًا بضرورة مراجعة القرار، فإن الحذر ما يزال سيد الموقف في برلين، خصوصًا في ظل القضايا القانونية التي تلاحق الحكومة الألمانية في محاكم محلية ودولية. فمحكمة العدل الدولية تنظر في دعوى تتهم ألمانيا بالتورط غير المباشر في “جرائم الإبادة” عبر استمرار تصدير السلاح إلى إسرائيل.
معركة داخل المحاكم
التوتر السياسي بين البلدين امتد إلى أروقة القضاء الألماني، حيث رفع عدد من الفلسطينيين والمواطنين الألمان دعاوى للمطالبة بوقف صادرات السلاح نهائيًا حتى انتهاء الحرب وبدء مفاوضات سلام فعلية.
ورغم أن المحكمة الإدارية في برلين رفضت تلك المطالب لأسباب إجرائية، فإن استمرار هذه القضايا يسلط الضوء على انقسام الرأي العام الألماني بين مؤيد للتضامن مع إسرائيل ومعارض لتزويدها بالسلاح وسط انتقادات متزايدة للعمليات العسكرية في غزة.
ويؤكد مراقبون، أن هذه القضايا، وإن لم تؤثر بشكل مباشر على قرارات الحكومة، فإنها تضع ميرتس في موقف سياسي حرج، بين التزامه تجاه حلفائه في الناتو وتزايد أصوات المعارضة الداخلية التي تطالب بسياسة أكثر استقلالًا عن تل أبيب.
أزمة ثقة في العلاقة الخاصة
تاريخيًا، شكلت ألمانيا أحد أبرز مزودي إسرائيل بالسلاح، من الغواصات المتطورة إلى الأنظمة الدفاعية.
لكن التطورات الأخيرة أعادت طرح سؤال العلاقة الخاصة بين البلدين على الطاولة، فهل ما تزال برلين مستعدة للدفاع عن تل أبيب دون شروط، أم أن الحرب في غزة أفرزت مرحلة جديدة من البرود السياسي والمساءلة الأخلاقية؟
إسرائيل من جانبها تعتبر أن أي تأخير في توريد الأسلحة “مكافأة غير مباشرة لحماس”، بينما تصر ألمانيا على أن التريث ليس خيانة، بل مسؤولية تفرضها القوانين الدولية والضغوط الشعبية.

