تحت وطأة المطالب الأميركية والضغوط الإنسانية المتزايدة، أعلنت الحكومة الإسرائيلية تفعيل معبر زيكيم شمال قطاع غزة لإدخال المساعدات الإنسانية، في خطوة تعد محاولة لتخفيف الأزمة المتفاقمة في المناطق الشمالية من القطاع، مع الإبقاء على رقابة عسكرية مشددة على حركة الشاحنات ووجهتها.
القرار، الذي يأتي بعد أسابيع من الجدل داخل المؤسسات الأمنية الإسرائيلية حول جدوى فتح معبر جديد، يعكس مسعى تل أبيب لتقديم صورة أكثر مرونة أمام المجتمع الدولي، دون المساس بسيطرتها الأمنية الكاملة على طرق الإمداد.
معبر جديد على خط النار
ويقع معبر زيكيم على مقربة من الشاطئ شمال غزة، في منطقة تشهد توترات متكررة منذ بدء الحرب، ويستخدم بشكل أساسي لإيصال المساعدات إلى الأحياء التي عانت من عزلة شبه تامة جراء العمليات العسكرية.
ورغم أنه صمم لأغراض إنسانية، إلا أن المعبر كان في قلب عدة حوادث دامية خلال الأشهر الماضية، بعدما تحولت طوابير انتظار المساعدات إلى مشاهد فوضوية تسببت في سقوط عشرات الضحايا.
ومع إعادة فتحه رسميًا، أكدت تل أبيب، أن الفحص الأمني لكل الشاحنات سيكون من اختصاص هيئة المعابر التابعة لوزارة الدفاع، لضمان منع تسلل أي مواد أو عناصر محظورة نحو القطاع، بينما تتولى الأمم المتحدة والمنظمات الدولية عملية النقل والتوزيع داخل غزة.
توازن حساس بين الأمن والإغاثة
وتحاول إسرائيل عبر هذا الإجراء تحقيق معادلة دقيقة بين متطلبات الأمن وضرورات الاستجابة الإنسانية، خاصة في ظل الانتقادات الدولية الواسعة بشأن بطء وصول المساعدات.
ومنذ بدء الهدنة التي دخلت حيز التنفيذ في العاشر من أكتوبر الماضي، جرى الاتفاق على إدخال نحو 600 شاحنة إغاثة يوميًا لتغطية الاحتياجات الأساسية لسكان غزة. لكن القيود الأمنية وعمليات التفتيش الدقيقة التي تفرضها إسرائيل، إضافة إلى ضعف البنية اللوجستية في الجنوب، جعلت الأرقام الفعلية أقل بكثير من المستهدف.
وفي الوقت الذي تعيد فيه تل أبيب فتح زيكيم، تبقى السيطرة الفعلية على المعابر أداة ضغط سياسية وأمنية، تستخدمها إسرائيل لتنظيم إيقاع المساعدات وفق مصالحها العسكرية والميدانية.
رقابة أميركية وتنسيق متوتر
والقرار الإسرائيلي أعاد الجدل حول الدور الأميركي في الإشراف على تدفق المساعدات، خصوصًا مع تزايد الحديث عن مركز التنسيق الأميركي الذي يعمل جنوب إسرائيل.
ورغم الحديث المتكرر عن إشراف واشنطن المباشر على عمليات الإغاثة، تصر إسرائيل على أن دور الولايات المتحدة “تنسيقي بحت” دون أي إشراف ميداني.
ومع استمرار هذه الترتيبات المعقدة، تبدو عملية إيصال المساعدات إلى غزة مرهونة بتفاهمات متشابكة بين الأطراف الثلاثة، إسرائيل، والولايات المتحدة، والأمم المتحدة، في ظل استمرار حالة الشك وانعدام الثقة بين الأطراف.
وفتح معبر زيكيم قد يوفّر متنفسًا محدودًا لسكان شمال القطاع الذين يواجهون واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في المنطقة، لكنه لا يبدد المخاوف من أن تتحول الإجراءات الأمنية إلى حاجز جديد أمام تدفق المساعدات.

