في مشهد سياسي متشابك يعكس دقة المرحلة التي تمر بها غزة، وصل المبعوث الأميركي جاريد كوشنر إلى تل أبيب في زيارة تعد الأهم منذ بدء تنفيذ الاتفاق المرحلي بين واشنطن وتل أبيب بشأن قطاع غزة.
تأتي الزيارة وسط ضغوط متزايدة لإيجاد مخرج لعناصر حركة حماس المحاصرين داخل أنفاق رفح، في وقت تسعى فيه إسرائيل لتثبيت قواعد جديدة للمرحلة المقبلة من ترتيبات ما بعد الحرب.
ويبدو أن الملف الإنساني ـ الأمني المرتبط بهؤلاء العناصر تحول إلى اختبار عملي للخطة الأميركية التي تستهدف تحويل غزة إلى نموذج جديد للتسوية، يوازن بين متطلبات الأمن الإسرائيلي والالتزامات السياسية لوقف النار.
خطة أميركية لتفكيك الأزمة تدريجيًا
تؤكد المؤشرات الأولية، أن كوشنر جاء محمّلًا بمقترحات عملية، أبرزها مشروع ترحيل مؤقت لعناصر حماس المحاصرين إلى دولة ثالثة، مقابل التزامهم بتسليم السلاح ووقف نشاطهم العسكري.
وتتعامل واشنطن مع هذه الخطوة باعتبارها تجربة أولى في مشروع طويل المدى لنزع سلاح الحركة تدريجيًا، وتهيئة الأرضية السياسية لإدارة جديدة في القطاع بإشراف إقليمي ودولي.
ورغم أن المقترح يحظى بدعم محدود داخل أوساط الإدارة الأميركية، إلا أنه يواجه رفضًا من التيار الأمني الإسرائيلي الذي يرى في خروج العناصر من الأنفاق تهديدًا مباشرًا لسياسة الردع التي تبناها الجيش منذ انطلاق عملياته في رفح.
بينما تتحدث واشنطن عن “ترتيبات إنسانية مؤقتة”، تصر تل أبيب على أن أي تسوية يجب أن تضمن حرية العمل العسكري داخل غزة متى اقتضت الضرورة.
نتنياهو يبحث عن ضمانات أمنية دائمة
داخل أروقة الحكومة الإسرائيلية، يسعى بنيامين نتنياهو لاستثمار زيارة كوشنر لتحقيق مكاسب مزدوجة.
من جهة يريد الحصول على ضمانات مكتوبة من إدارة الرئيس دونالد ترامب تتيح لإسرائيل هامش تحرك ميداني في القطاع، ومن جهة أخرى يعمل على إقحام هذه التفاهمات في نص القرار الأممي المرتقب حول مستقبل غزة.
بالتوازي مع المشاورات، أوقف نتنياهو جلسة محاكمته القضائية المقررة اليوم لتكريس وقته للاجتماع مع الوفد الأميركي، في إشارة إلى أهمية اللقاء وارتباطه المباشر بملف ما بعد الحرب.
وتدور النقاشات حول تحديد مهام القوة متعددة الجنسيات التي يُتوقع نشرها تدريجيًا في غزة خلال الأسابيع المقبلة.
مواقف متباينة وحلول معلقة
على الجانب الآخر، أكدت حركة حماس استعدادها للتعاون مع الوسطاء شريطة ضمان سلامة عناصرها العالقين في الأنفاق، مشددة على أن الاستسلام “ليس خيارًا مطروحًا”.
كما كشفت أن الاتفاق السابق مع القاهرة لتشكيل لجنة إدارة مدنية للقطاع لم يدخل حيز التنفيذ بسبب اعتراضات إسرائيلية، ما جعل ملف رفح يتداخل مع ترتيبات الحكم في غزة.
وبينما تواصل كتائب القسام عمليات استخراج جثث الإسرائيليين في ظروف معقدة، تربط تل أبيب أي تقدم في المفاوضات حول المرحلة الثانية من الاتفاق باستلام كامل الرفات.
وهذا التوتر الميداني يضيف طبقة جديدة من التعقيد إلى مهمة كوشنر، الذي يحاول التوفيق بين حسابات واشنطن السياسية وطموحات نتنياهو الأمنية وتوازنات الإقليم المتشابكة.
نهاية مفتوحة لزيارة غامضة
ولم تتضح بعد نتائج اللقاءات الجارية في تل أبيب، غير أن المؤشرات تفيد بأن واشنطن ماضية في اختبار أدواتها الدبلوماسية لإعادة هندسة المشهد داخل غزة.
فالأنفاق التي تحاصر عناصر حماس باتت رمزًا لحجم المعضلة، حيث يتقاطع فيها البعد الإنساني مع الحسابات العسكرية والسياسية.

