في خطوة تعكس تحوّلاً لافتاً في الخطاب السياسي اللبناني، دعا الرئيس جوزيف عون إلى التفاوض مع إسرائيل لحلّ القضايا العالقة، بالتزامن مع بدء تطبيق المرحلة الأولى من خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لإنهاء حرب غزة.
وأكد عون، خلال لقائه وفداً من الإعلاميين الاقتصاديين، أن “التفاوض ليس خياراً غريباً على لبنان”، مذكّراً باتفاق ترسيم الحدود البحرية عام 2022 الذي تم برعاية أمريكية وأممية.
وقال الرئيس اللبناني: “لا شيء يمنع تكرار التجربة ذاتها لإيجاد حلول للمشاكل القائمة، فالحرب لم تحقق أي نتيجة، وإسرائيل نفسها ذهبت للتفاوض مع حركة حماس بعد أن استنفدت خيارات القوة”، مضيفاً أن “المناخ العام في المنطقة يتجه نحو التسويات، ولبنان لا يمكن أن يبقى خارج هذا المسار”.
تحوّل في المزاج الإقليمي
تصريحات عون تأتي في لحظة إقليمية حساسة، حيث تزداد الضغوط الأمريكية والدولية لدفع الأطراف المتصارعة نحو مسارات تفاوضية، في ظل الإرهاق العسكري والاقتصادي الذي خلّفته الحرب في غزة وجنوب لبنان.
ويبدو أن بيروت تسعى، من خلال هذا الخطاب الجديد، إلى تموضع أكثر واقعية ضمن مشهد شرق أوسطي متغيّر، تقوده واشنطن بخطة شاملة تهدف إلى تهدئة بؤر التوتر من غزة حتى الحدود اللبنانية.
ويقرأ مراقبون الدعوة الرئاسية على أنها اختبار للشارع اللبناني وقواه السياسية، خصوصاً مع وجود مواقف حذرة داخل الحكومة والبرلمان، في وقت يعتبر فيه “حزب الله” أن أي تفاوض مباشر مع إسرائيل يمسّ بمبدأ “المقاومة” الذي يرتكز عليه نفوذه في البلاد.
ضغوط أمريكية ومسار متعثّر
ومنذ توقيع اتفاق ترسيم الحدود البحرية عام 2022، حاولت الولايات المتحدة الدفع باتجاه استكمال المفاوضات لترسيم الحدود البرية بين لبنان وإسرائيل.
لكن اندلاع المواجهات في أكتوبر 2023 بين الجيش الإسرائيلي و”حزب الله” جمّد تلك المساعي، قبل أن تعلن واشنطن في مارس الماضي رغبتها في استئناف الجهود للوصول إلى تسوية نهائية.
ويضمّ الخط الفاصل بين البلدين 13 نقطة متنازعاً عليها، تُشكّل محور النزاع الحدودي المزمن منذ انسحاب إسرائيل من الجنوب عام 2000.
وتشير مصادر دبلوماسية إلى أن واشنطن تسعى إلى مقاربة شاملة تشمل ضبط الحدود ونزع سلاح الميليشيات، في إطار اتفاق أمني أوسع يضمن استقرار الجبهة الشمالية لإسرائيل.
تبدّل في المواقف الإسرائيلية
في المقابل، أبدى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، خلال كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر، استعداد بلاده للسلام مع لبنان، داعياً بيروت إلى مفاوضات مباشرة.
هذه الدعوة، التي بدت حينها رمزية، قد تكتسب اليوم بعداً عملياً مع صدور مواقف لبنانية رسمية تمهّد الطريق لحوار محتمل، وإن بقي مشروطاً بضمانات أمريكية ودولية.