ذات صلة

جمع

كيف فشلت حركة النهضة في تونس في استثمار الأزمات الاقتصادية لتأليب الشارع ضد الحكومة؟

تصاعدت عدة تحديات اقتصادية واجتماعية متلاحقة في تونس خلال...

غزة بعد الحرب.. عودة مؤلمة تحت الركام مع بدء الانسحاب الإسرائيلي

بعد عامين من القتال المستمر، دخل اتفاق وقف إطلاق...

كيف تؤثر الأزمة الاقتصادية على الاستقرار السياسي في العراق؟

كشفت عدة تقارير أن من أبرز التحديات التي تواجه...

غزة بعد الحرب.. عودة مؤلمة تحت الركام مع بدء الانسحاب الإسرائيلي

بعد عامين من القتال المستمر، دخل اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، إيذانًا ببدء مرحلة جديدة في غزة عنوانها “العودة بعد الدمار”.
ومع إعلان الجيش الإسرائيلي انسحابه من بعض مناطق القطاع، بدأت حشود النازحين الفلسطينيين تتجه شمالًا نحو مدينة غزة وجنوبًا نحو خان يونس، في مشهد إنساني مؤلم يختصر سنوات الحرب في ساعات العودة.

الطرقات امتلأت بعائلات تحمل ما تبقى من متاعها، وأطفال يسيرون حفاة على أنقاض الأحياء التي كانت ذات يوم مكتظة بالحياة.
رائحة الدخان ما زالت في الجو، والهدوء الذي خيّم على المكان بدا هشًّا، كما لو أن الحرب ما زالت تراقب من بعيد.

غزة.. مدينة بلا ملامح

في مدينة غزة، بدا المشهد أقرب إلى أطلال مدينة قديمة؛ أحياء كاملة دُمّرت، وشوارع لم تعد تعرف ملامحها، فيما يبحث الناس بين الركام عن أي أثر يدلهم على بيوتهم.
ولم تكن العودة هذه المرة إلى منازلهم، بل إلى ذكريات فقدت شكلها.

وفي خان يونس جنوب القطاع، لم يختلف الوضع كثيرًا؛ المدينة التي كانت ثاني أكبر مركز حضري في غزة تحولت إلى ما يشبه لوحة رمادية من الخراب.
الناس هناك يسيرون في صمت، يتفقدون ما بقي من جدران، ويجمعون بقايا الأثاث أو الأخشاب لاستخدامها في الطهي أو التدفئة، كأنهم يعيدون تعريف الحياة من الصفر.

اتفاق هش وقلوب معلقة

الاتفاق الذي رعته أطراف دولية وُصف بأنه الفرصة الأخيرة للسلام في غزة، وينص في مرحلته الأولى على انسحاب القوات الإسرائيلية من بعض المناطق الحضرية، مع استمرار وجودها في مواقع محددة داخل القطاع.

ورغم الهدوء النسبي، يسود شعور بالقلق بين السكان الذين يخشون أن تكون هذه الهدنة مجرد استراحة قصيرة في حرب طويلة.
وعلى الأرض، بدأت جرافات صغيرة ومعدات يدوية العمل لإزالة الركام وفتح الطرق، بينما تنتشر فرق محلية في محاولات لانتشال الجثث من تحت الأنقاض بعد انسحاب القوات من عدة مناطق شمالية وجنوبية.

أرقام الضحايا ما تزال في ارتفاع، فيما لا يزال كثير من العائلات يجهلون مصير ذويهم الذين فُقدوا خلال الأيام الأخيرة من القتال.

العودة إلى المجهول

مشهد العودة كان يحمل بين طيّاته فرحًا مشوبًا بالوجع، إذ عبّر كثير من الفلسطينيين عن سعادتهم بوقف النار، لكنهم وجدوا أمامهم واقعًا أكثر قسوة من النزوح نفسه: لا بيوت، لا كهرباء، لا مياه، ولا أمل قريب بعودة الحياة الطبيعية.

العائدون إلى الشمال وجدوا مربعات سكنية كاملة سُويت بالأرض، فيما بدت بعض المنازل القليلة الصامدة مثل جزر صغيرة وسط بحر من الركام.

ورغم ذلك، يصرّ الناس على البقاء، “حتى فوق الدمار سنعيش” — عبارة تكررت على ألسنة العائدين، تعكس إصرار الفلسطينيين على التمسك بالأرض مهما اشتدت المعاناة.

انتظار ما بعد الحرب

بين التفاؤل الحذر والخوف من المجهول، يقف الفلسطينيون اليوم أمام اختبار جديد: إعادة الحياة إلى قطاع أنهكته الحرب.
المرحلة المقبلة لن تكون سهلة؛ فالوضع الإنساني متدهور، والبنية التحتية مدمرة، لكن الإصرار الشعبي على البقاء يمنح غزة فرصة جديدة للنهوض.

ومع انسحاب القوات الإسرائيلية واستمرار صمت المدافع، تبقى غزة شاهدة على أكبر مأساة إنسانية في القرن الحديث، وأهلها يكتبون فصلًا جديدًا من الصمود على أنقاض حرب لم تترك حجرًا في مكانه، لكنها لم تنتزع منهم الأمل.

spot_img