بعد توقيع اتفاق شرم الشيخ الذي مهد الطريق لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، أعلن برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة استعداده الكامل لاستئناف عملياته الإنسانية على نطاق واسع داخل القطاع.
وأكدت الدكتورة عبير عطيفة، المتحدثة باسم البرنامج، أن الفرق الأممية كانت حاضرة في غزة منذ اندلاع الحرب وقبلها بسنوات، وأن العمل لم يتوقف إلا خلال فترات التصعيد الشديد التي جعلت من إيصال المساعدات مهمة شبه مستحيلة.
وقالت عطيفة إن البرنامج “يرحب بوقف إطلاق النار الذي يسمح أخيرًا بفتح ممرات إنسانية آمنة”، مؤكدة أن لدى البرنامج مخزونًا غذائيًا يكفي لتغطية احتياجات نحو 1.6 مليون شخص حتى نهاية العام الجاري، مع خطة لإمداد ما يقارب مليون شخص شهريًا بعد ذلك.
أولوية عاجلة.. إنقاذ الشمال من المجاعة
تضع الخطة الجديدة الأولوية القصوى لإيصال المساعدات إلى المناطق الأشد تضررًا في شمال ومدينة غزة، حيث تفاقمت أزمة الجوع إلى مستويات غير مسبوقة.
ويتضمن البرنامج خطة لإدخال المكملات الغذائية لمواجهة سوء التغذية الحاد بين الأطفال والنساء، إلى جانب إعادة تشغيل المخابز المتوقفة وإصلاح صوامع القمح المتضررة بفعل القصف.
كما أوضحت عطيفة أن هذه الإجراءات تمثل الخطوة الأولى نحو استقرار منظومة الأمن الغذائي، مؤكدة أن الهدف ليس فقط توزيع المساعدات، بل إعادة بناء القدرة على الإنتاج المحلي وتحريك عجلة الاقتصاد الغذائي الداخلي.
الأسواق والغذاء.. نحو استقرار تدريجي
من بين الأهداف التي يسعى إليها برنامج الأغذية العالمي في المرحلة الحالية إعادة تشغيل الأسواق المحلية في غزة.
وترى عطيفة أن هذه الخطوة ستكون حاسمة في خفض الأسعار وضمان وفرة السلع الغذائية، مضيفة: “حين تعود الأسواق للعمل، نبدأ في استعادة التوازن بين العرض والطلب، وهو ما سيخفف العبء عن الأسر المتضررة ويمنع تدهور الوضع الإنساني مجددًا”.
وتشير تقديرات البرنامج إلى أن الأسواق في شمال غزة تكاد تكون مشلولة بالكامل منذ أكثر من تسعة أشهر، وأن عودتها للعمل ستحتاج دعمًا لوجستيًا كبيرًا وإعادة تأهيل للبنية التحتية المرتبطة بالتخزين والنقل.
شراكات ميدانية وجهود مصرية محورية
يؤكد البرنامج أن جهوده في غزة لا يمكن أن تنجح دون شركاء ميدانيين، وعلى رأسهم الهلال الأحمر المصري الذي يتولى عمليات فرز وتعبئة المواد الغذائية قبل دخولها إلى القطاع.
وأشادت عطيفة بقدرة الفرق المصرية على تسهيل عمليات العبور والتنسيق بين المعابر، مشيرة إلى أن “عملية إدخال المساعدات تسير الآن بسلاسة غير مسبوقة بفضل التنسيق المصري والدعم اللوجستي المتواصل من القاهرة”.
كما أثنت على الدعم الدولي المتزايد لجهود الإغاثة، معتبرة أن اتفاق شرم الشيخ “أعاد الثقة في إمكانية استمرار العمل الإنساني دون تعقيدات سياسية أو إدارية”.
غزة على أعتاب التعافي الإنساني
يرى المراقبون أن تحرك برنامج الأغذية العالمي يعكس بداية مرحلة جديدة في إعادة بناء البنية الإنسانية لقطاع غزة، بعد شهور من الدمار ونقص الإمدادات الغذائية.
ويُنتظر أن تسهم خطة البرنامج في تخفيف حدة الجوع المنتشر، خصوصًا في المناطق الشمالية التي صنفتها الأمم المتحدة سابقًا كمناطق “شبه مجاعة”.
ومع تضافر الجهود المصرية والدولية، يبدو أن القطاع مقبل على مرحلة من الاستقرار الإنساني النسبي، في انتظار أن تترجم الهدنة إلى واقع دائم يتيح للمنظمات الأممية استعادة قدرتها على دعم ملايين الفلسطينيين المتضررين من الحرب.