تعيش إسرائيل واحدة من أكثر لحظاتها السياسية انقساماً منذ سنوات، بعدما أُعلن عن خطة أمريكية جديدة تتعلق بوقف الحرب في غزة.
الخطة، التي وصفها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بـ”التاريخية”، سرعان ما كشفت حجم الشرخ داخل المشهد الإسرائيلي، حيث تباينت ردود الفعل بين مؤيد يرى فيها فرصة استراتيجية، ورافض يعتبرها تهديداً لمستقبل المشروع السياسي والعسكري الإسرائيلي.
نتنياهو بين التحدي والفرصة
قدّم نتنياهو الخطة بوصفها تحوّلاً في المعادلة الإقليمية، مؤكداً أن إسرائيل لم تعد معزولة، بل أصبحت حركة حماس في مواجهة ضغوط غير مسبوقة.
ورغم محاولته تصوير الاتفاق كإنجاز سياسي، إلا أن غياب أي بند واضح يتعلق بإقامة دولة فلسطينية يضعه أمام انتقادات داخلية ودولية على حد سواء، كما يواجه تحدياً متصاعداً من المعارضة التي ترى أن الحكومة أخفقت في إدارة الحرب التي كلفت الجيش الإسرائيلي مئات القتلى منذ السابع من أكتوبر.
معارضة منقسمة ويمين متشدد
في المقابل، أبدى زعماء المعارضة مثل يائير لابيد وبيني جانتس استعدادهم للتعامل مع الخطة، معتبرين أنها تتيح فرصة لإعادة المحتجزين والحفاظ على هامش حرية العمل العسكري.
غير أن التيار اليميني المتشدد عبّر عن رفض صريح، إذ اعتبر وزير المالية بتسلئيل سموتريتش أن الاتفاق “تفريط في فرصة تاريخية”، بينما هدّد وزير الأمن القومي إيتمار بن جفير بإسقاط الائتلاف الحكومي إن لم يُستكمل “الحسم العسكري” ضد حماس.
هذا التباين جعل الحكومة تبدو محاصَرة بين جناحين متضادين: براغماتي يريد الاستفادة من المبادرة، ومتشدّد يرفض أي تسوية قبل القضاء الكامل على الحركة.
ضغط شعبي متزايد
وسط الانقسام السياسي، تمثل عائلات المحتجزين في غزة نقطة ضغط حقيقية على الحكومة، حيث تطالب بالإفراج عن أبنائها بأي ثمن.
هذه الأصوات لا تنظر إلى الخطة من زاوية سياسية أو عسكرية، بل من منطلق إنساني بحت، معتبرة أن نجاح أي مبادرة يُقاس بقدرتها على إعادتهم أحياء.
هذا المطلب الشعبي يضع نتنياهو في موقف أكثر تعقيداً، إذ يتوجب عليه الموازنة بين ضغوط الشارع وغضب اليمين المتشدد.
غزة تحت القصف
في الوقت ذاته، لا يزال المشهد الميداني في غزة يفاقم التوترات، إذ يواصل الجيش الإسرائيلي ضرباته الجوية والمدفعية، فيما تصدر إنذارات متكررة للسكان بالتوجه جنوباً في ظل حصار خانق.
السياسة العسكرية تزيد من الانتقادات الدولية، خاصة مع التحذيرات المتصاعدة من المجاعة وتفاقم الأزمة الإنسانية.
وعلى الرغم من السماح بدخول مساعدات محدودة، تؤكد منظمات دولية أن الوضع لا يزال كارثياً، وأن المدنيين في غزة يواجهون خطر نزوح دائم.
معادلة صعبة للمستقبل
الخطة الأمريكية، التي لا تحدد بوضوح مساراً لإقامة دولة فلسطينية، أعادت رسم خطوط الانقسام داخل إسرائيل.
فهي بالنسبة للبعض إنجاز يعكس دعماً أمريكياً غير محدود، لكنها بالنسبة لآخرين تهديد يكرّس أزمة القيادة ويفتح الباب أمام صراع داخلي قد يعصف بالائتلاف الحاكم.