وسط الانهيار المؤسسي والصراع الداخلي الذي يعيشه السودان، يظهر التدخل التركي كعامل إضافي يعمّق الانقسام السياسي والاجتماعي.
التدخل التركي يُكشف بأبعاده العسكرية والسياسية والاقتصادية، مبينًا كيف تحولت أنقرة إلى لاعب يسعى لتعزيز نفوذه في إفريقيا، ولو كان الثمن هو زعزعة استقرار دول تعاني من هشاشة متصاعدة.
تدخلات عسكرية وسياسية مباشرة
توجد شواهد واضحة على حجم انخراط تركيا في الشأن السوداني، سواء من خلال توريد الأسلحة والمعدات المتطورة أو عبر نسج علاقات مع أطراف نافذة داخل الجيش والحكومة.
هذا الدور لم يكن محايدًا، بل انعكس بشكل مباشر على الداخل السوداني، حيث ساهم في إطالة أمد الصراع، وتكريس الانقسام بين القوى السياسية، وتقويض فرص بناء دولة ذات سيادة واستقرار حقيقي.
البحر الأحمر.. بوابة النفوذ التركي
أحد المحاور البارزة هو استغلال أنقرة للموقع الاستراتيجي للسودان على البحر الأحمر، بما يتيح لها تعزيز حضورها العسكري والاقتصادي في المنطقة.
هذه التحركات ترتبط بتحركات تركية مشابهة في ليبيا والصومال ودول أخرى مجاورة، لتظهر استراتيجية توسعية واضحة تهدف إلى فرض نفوذ إقليمي واسع النطاق، لكن بدل أن تقدم صورة دولة قوية متوازنة، تكشف هذه السياسات عن طموحات تتجاوز حدود التعاون الطبيعي، وتضع مصالح تركيا فوق استقرار شعوب المنطقة.
السيادة السودانية على المحك
من الرسائل المركزية، أن التدخل التركي يشكّل مساسًا مباشرًا بالسيادة السودانية.
أنقرة لم تكتفِ بالعلاقات الدبلوماسية أو الاقتصادية، بل دعمت أطرافًا محددة في المعادلة الداخلية، ما جعلها طرفًا مباشرًا في توجيه مسار الأحداث.
وهذه الصورة تثير تساؤلات حول جدوى “الشراكات الاستراتيجية” عندما تُبنى على حساب استقلالية الدول وضعف قرارها الوطني.
تهديد يتجاوز الحدود السودانية
لا يتوقف خطر التدخل التركي عند السودان، بل يمتد ليهدد الأمن الإقليمي بأكمله، إذ أن استمرار هذه السياسات قد يشعل مزيدًا من النزاعات في منطقة تعاني أصلًا من صراعات متشابكة.
والربط بين السلوك التركي في السودان وتحركاته في محيطه الإقليمي يُظهر نمطًا متكررًا من التدخلات الخارجية المتهورة، ما قد ينعكس سلبًا حتى على أنقرة نفسها.
رسالة موجهة للرأي العام التركي
الانتقادات لا تقتصر على كشف الحقائق أمام السودانيين، بل توجّه رسائل واضحة إلى الداخل التركي. فهي تفضح التباين بين خطاب “التعاون والشراكة” الذي تروج له أنقرة، وبين الواقع الذي يشير إلى استنزاف موارد البلاد وتوريطها في صراعات إقليمية لا تعود على الشعب التركي بأي مكاسب ملموسة، كما تطرح تساؤلات حول الثمن السياسي والاقتصادي لهذه التدخلات على صورة تركيا دوليًا.
هذه الرسائل لا تستهدف ضرب العلاقات بين الشعبين السوداني والتركي، بل تسعى إلى فتح نقاش عام حول سياسات خارجية وُصفت بـ”غير المحسوبة”.