لم يكن استهداف الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله في الضاحية الجنوبية لبيروت مجرد غارة جوية اعتيادية، بل عملية مركبة جمعت بين التخطيط الاستخباراتي الطويل والاختراق الميداني عالي الخطورة من قبل إسرائيل.
التسريبات التي وصلت الي وسائل الإعلام الغربية والإسرائيلية تشير إلى أن العملية، التي أطلق عليها اسم “النظام الجديد”، استغرقت أشهرًا من التحضير، وتضمنت تعاونًا غير مسبوق بين الموساد، وحدة الاستخبارات 8200، وسلاح الجو الإسرائيلي.
اختراق بري تحت غطاء النار
واحدة من أبرز مراحل العملية تمثلت في تسلل وحدة ميدانية تابعة للموساد إلى قلب الضاحية الجنوبية، وتحديدًا إلى منطقة حارة حريك حيث يتحصن مركز القيادة.
هذه الوحدة حملت معدات تقنية دقيقة جرى إخفاؤها في طرود مدنية، وزرعت في محيط المخابئ خلال فترة قصف جوي عنيف هدف إلى تشتيت الحماية وإجبارها على التراجع.
وبحسب مصادر مطلعة، فإن احتمالات عودة هذه العناصر بسلام لم تكن تتجاوز نصف الفرص؛ ما يعكس حجم المجازفة التي انطوت عليها العملية.
التكنولوجيا كسلاح حاسم
الأجهزة المزروعة على الأرض صممت لتوجيه الضربات الجوية بدقة متناهية، حيث عملت على اختراق البنية التحتية الصخرية للمخابئ المحصنة.
خبراء عسكريون وصفوا هذه التقنية بأنها نقلة نوعية في مجال “حروب الظل”، إذ سمحت بإصابة أهداف يصعب استهدافها حتى بالقنابل التقليدية الخارقة للتحصينات، وهذا التكامل بين العمل الاستخباراتي والتكنولوجيا العسكرية اعتبر في إسرائيل اختبارًا ناجحًا لأسلوب عمليات جديدة ضد خصوم يوصفون بأنهم “أهداف عالية القيمة”.
القرار السياسي والانقسام الداخلي
اللافت، أن العملية لم تحظى بإجماع داخل المؤسسة الإسرائيلية، فبينما دفع قادة الموساد نحو التنفيذ، معتبرين أن “الفرصة لن تتكرر”، أعربت أطراف عسكرية وسياسية عن قلقها من اندلاع مواجهة إقليمية شاملة مع إيران.
في النهاية، حسم القرار في الساعات الأخيرة قبل التنفيذ، وسط انقسام واضح بين مؤيدي المخاطرة ومعارضيها.
لحظة الحسم والنتائج المباشرة
في مساء 27 سبتمبر، وبعد تفعيل الأجهزة المزروعة، نفذت الطائرات الإسرائيلية غارات دقيقة استخدمت فيها ذخائر خارقة للتحصينات، والرواية الإسرائيلية تحدثت عن مقتل نصر الله وعدد من القياديين البارزين، إلى جانب تدمير مركز قيادة رئيسي كان يعتقد أنه ينسق عمليات الحزب مع إيران، لكن العملية لم تقتصر على البعد العسكري، بل أثارت ردود فعل إقليمية ودولية واسعة.
لم يتأخر رد حزب الله، إذ أطلق عشرات الصواريخ ونفذ هجمات بطائرات مسيرة على شمال إسرائيل؛ ما أدى إلى تصعيد ميداني واسع.
الحدود اللبنانية– الإسرائيلية شهدت اشتباكات متقطعة وتحركات عسكرية متسارعة، في مشهد يوحي بأن العملية قد تكون بداية لموجة عنف أوسع وليست نهاية لمعادلة قائمة.
نجاح استخباراتي.. لكنه محفوف بالمخاطر
يرى مراقبون، أن إسرائيل حققت نصرًا استخباراتيًا لافتًا بقدرتها على الوصول إلى قلب الضاحية وتنفيذ ضربة نوعية، إلا أن هذا النجاح لا يخلو من المخاطر.
اغتيال شخصية بحجم نصر الله قد يفتح الباب أمام مواجهة إقليمية متصاعدة، وقد يدفع حزب الله وحلفاءه إلى الرد بطرق غير تقليدية.
كما أن الأثر السياسي للضربة قد لا يوازي ثمنها الميداني، خصوصًا إذا تحولت المنطقة إلى ساحة حرب مفتوحة.