لم يعد حي مولنبيك غرب العاصمة البلجيكية بروكسل مجرد منطقة سكنية تعج بالمهاجرين والأسواق الشعبية، بل تحول – خلال السنوات الأخيرة- إلى مرآة قاتمة تعكس التغلغل المنهجي لجماعة الإخوان الإرهابية في قلب أوروبا.
ورغم محاولات السلطات لإعادة فرض النظام واحتواء الظواهر المتطرفة، فإن الجذور العميقة لخطاب الجماعة تجعل المهمة أشبه بمحاولة اقتلاع شجرة ضخمة من صخر.
من الهشاشة إلى النفوذ.. أرض خصبة للتغلغل
نشأ نفوذ الإخوان في مولنبيك من رحم التهميش والفقر، فمع غياب برامج اندماج فاعلة للمهاجرين منذ السبعينيات، وارتفاع معدلات البطالة بين الشباب، ملأت جماعة الإخوان هذا الفراغ عبر شبكة جمعيات ومساجد ومراكز تعليمية.
لكن هذه الكيانات، التي بدأت بدعوى العمل الخيري أو الثقافي، تحولت تدريجيًا إلى منصات بث أيديولوجي، تغذي الانعزال عن المجتمع البلجيكي وتزرع مفاهيم الهوية المنفصلة و”الولاء للإسلام لا للوطن”.
الاختراق الناعم.. ثلاثية النفوذ
اعتمدت الجماعة على ثلاث أدوات رئيسية، وهي الخدمات البديلة، دروس مجانية، إعانات اجتماعية، دعم للعائلات المحتاجة، وكذلك خطاب الهوية، ترسيخ فكرة أن المسلم “غريب” داخل المجتمع الأوروبي، وضرورة التمسك بـ”الخصوصية الثقافية”.
وأخرهم بناء شبكة مغلقة، حيث تشكل الجمعيات بيئة مغلقة تحجب الشباب عن مؤسسات الدولة، وتبني علاقات ولاء تنظيمي.
وهذه الآليات صنعت جيلاً كاملاً يرى في الإخوان مظلة أمان اجتماعي وفكري، ما منح الجماعة قدرة على التجنيد والتعبئة دون الحاجة لاستخدام خطاب متطرف مباشر.
متى بدأ التحول؟
لم يكن عام 2016، تاريخ اعتقال صلاح عبدالسلام “العقل المدبر لهجمات باريس”، هو بداية الظاهرة، بل كشفها للعالم، فمنذ عقود، تسللت الجماعة داخل النسيج الاجتماعي لمولنبيك، مستفيدة من التراخي البلدي في الرقابة على الجمعيات والمساجد.
ومع الوقت، أصبح الحي نموذجًا لتمدد الإسلام السياسي داخل بيئة أوروبية رخوة، وسط صمت رسمي، وتجاهل سياسي، أتاح للجماعة بناء نفوذ أشبه بـ”دولة داخل الدولة”.
مولنبيك.. مختبر للتجريب الإخواني
وفق خبراء في الحركات المتطرفة، تحوّل مولنبيك إلى مختبر إخواني يستخدم لتجريب آليات التأثير والهيمنة على الجاليات المسلمة، فبدلاً من المواجهة العلنية مع الدولة، تبنت الجماعة استراتيجية “التغلغل الصامت”، لتجنيد الشباب تدريجيًا عبر قنوات الهوية والانتماء.
وقد أثبتت هذه الاستراتيجية فعاليتها، حيث كشفت التحقيقات بعد هجمات باريس وبروكسل عن وجود روابط غير مباشرة بين الجماعة وشبكات جهادية أكثر تشددًا، مثل داعش، مما يعيد طرح السؤال، هل تشكل الجماعة منصة انطلاق نحو التطرف العنيف؟
رغم التحذيرات المتكررة من أجهزة الأمن وخبراء مكافحة الإرهاب، ما تزال بلجيكا وأوروبا عمومًا تتعامل مع الإخوان كمجرد فاعل اجتماعي، في وقت بات فيه نفوذ الجماعة يمس الأمن القومي الأوروبي.