في توقيت بالغ الحساسية، تحتضن القاهرة لقاء وصف بأنه “الأكثر أهمية منذ أشهر” في ملف الاتفاق النووي الإيراني، حيث وصل عباس عراقجي، مساعد وزير الخارجية الإيراني، إلى العاصمة المصرية لعقد مباحثات مع رافائيل غروسي، المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، بهدف استكمال مفاوضات بروتوكول جديد للتعاون النووي بين طهران والوكالة.
الاجتماع المنتظر يأتي بعد أسابيع من التوتر والتصعيد بين إيران والوكالة، وينظر إليه على نطاق واسع باعتباره فرصة أخيرة لإنقاذ الاتفاق النووي قبل الانزلاق إلى مواجهة دبلوماسية مفتوحة، قد تقود إلى إعادة فرض العقوبات الأممية.
انقطاع التعاون بعد التصعيد العسكري
خلفية اللقاء تعود إلى تعليق إيران تعاونها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية منتصف يوليو، بعد أن شنت إسرائيل هجمات جوية استهدفت منشآت نووية ومواقع عسكرية في إيران، ضمن حرب خاطفة بدأت في 13 يونيو وأودت بحياة أكثر من ألف شخص.
وعلى وقع هذه الحرب، تسارعت خطوات إيران في رفع مستويات تخصيب اليورانيوم، مما أثار قلق الوكالة والمجتمع الدولي، حيث تجاوزت طهران النسب المحددة في اتفاق 2015، ووصلت إلى نسبة 60%، وهي نسبة تقترب من حد الاستخدام العسكري، والمحدد بـ90%.
غروسي يحذر”الوقت ينفد”
في خطاب شديد اللهجة خلال اجتماع مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، قال رافائيل غروسي: إن “الوقت ما يزال متاحًا، لكن ليس كثيرًا”، وأشار إلى أن إحراز تقدم في المفاوضات مع إيران قد يؤدي خلال أيام إلى استئناف كامل لعمل المفتشين الدوليين داخل المنشآت النووية الإيرانية.
غروسي أعرب عن أمله بأن يفضي لقاؤه بعراقجي إلى تفاهم نهائي يضمن الشفافية والتعاون، مشددًا على أن أي اتفاق جديد يجب أن يعيد الثقة في التزام إيران بالبروتوكولات الدولية، ويضمن عدم انحراف برنامجها النووي نحو الاستخدام العسكري.
الموقف الإيراني “بين المرونة والتصعيد”
من جانبه، أكد إسماعيل بقائي، المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، أن المفاوضات مع الوكالة ما تزال مستمرة، واصفًا مسارها بـ”الإيجابي”، لكنه أقر بأن نتيجة نهائية لم تحسم بعد، وألمح بقائي إلى أن التصعيد العسكري الإسرائيلي كان له تأثير مباشر في قرار تعليق التعاون مع الوكالة.
إيران، التي تؤكد مرارًا على سلمية برنامجها النووي، ترى أن استهداف منشآتها يعد انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي، وهو ما يبرر خطواتها في خفض التعاون وتوسيع برنامجها النووي كرد فعل “سيادي”.
ضغوط أوروبية متزامنة
اللقاء في القاهرة يتزامن مع تفعيل فرنسا وبريطانيا وألمانيا لـ”آلية الزناد” في أغسطس الماضي، والتي قد تؤدي إلى إعادة فرض العقوبات الدولية التي كانت قد رفعت بموجب الاتفاق النووي الموقع عام 2015.
هذه الخطوة الأوروبية تزيد من الضغط على إيران وتعقد المفاوضات، لا سيما مع استمرار انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق في 2018 وغياب مسار دبلوماسي موحد بين الأطراف المعنية.
القاهرة، التي تقدم نفسها كأرض محايدة، تستضيف لقاء قد يحدد مستقبل الاتفاق النووي برمته، فإما أن تثمر المفاوضات عن بروتوكول تعاون جديد يعيد الثقة بين إيران والوكالة الدولية، أو يتعمّق الجمود، وتدخل المنطقة مرحلة جديدة من الشكوك والضغوط والعقوبات.