منذ تأسيسها، لم تُخفِ جماعة الإخوان الإرهابية نزعتها الانقلابية وسعيها لاستغلال الفوضى السياسية لتوسيع نفوذها. أول تجربة لذلك كانت في اليمن عام 1948، حين حاولت الجماعة الإطاحة بالإمام يحيى حميد الدين.
رغم أن حسن البنا تظاهر بدعم النظام القائم، إلا أنه كان يعمل في الخفاء على تأجيج انقلاب دموي، مستفيدًا من هشاشة البنية الاجتماعية والدينية والطبقية آنذاك، هذه الحادثة شكلت باكورة “عقيدة الفوضى” التي ستلازم مشروع الإخوان لعقود.
مصر.. مسرح العنف المتكرر
لم تكن مصر بمنأى عن هذا النهج، فمنذ خمسينيات القرن الماضي، سعت الجماعة إلى اختراق الدولة عبر العنف، بدءًا بمحاولة اغتيال الرئيس جمال عبد الناصر عام 1954، وصولاً إلى سلسلة محاولات مسلحة لاحقة ضد شخصيات ومؤسسات حكومية.
هذه الممارسات كشفت أن خطاب الإخوان حول “الإصلاح السلمي” لم يكن سوى غطاء، بينما كانت الخلايا المسلحة تدار بسرية بهدف الاستيلاء على السلطة.
الفوضى الداخلية.. صراعات القيادة
داخل الجماعة نفسها، ظهرت ملامح “الانقلاب” بشكل مبكر، فقد عمد حسن البنا إلى إقصاء مؤسسين وشخصيات قيادية بارزة بهدف تكريس هيمنته الفردية.
وهذا السلوك رسخ ثقافة الإقصاء والصراع الداخلي؛ مما أدى إلى انقسامات متكررة وموجات من الانشقاقات، ومن ثم، تحول الإخوان إلى بيئة مضطربة تتغذى على التوترات الداخلية، وهو ما جعلها عاجزة عن التطور كحركة سياسية طبيعية.
التجربة التونسية.. ازدواجية الانقلاب
في تونس، تجلى مشروع الإخوان بصورة مزدوجة، أحدهما صريح قائم على العنف المسلح، والآخر براغماتي يعتمد أسلوب التغلغل في مؤسسات الدولة والمجتمع عبر شبكة نفوذ سياسية وإعلامية.
هذه الازدواجية تكشف مرونة تكتيكية في استخدام أدوات متناقضة، لكنها في جوهرها تسعى لتحقيق الهدف ذاته: تقويض الدولة الوطنية واستبدالها بسلطة بديلة ذات مرجعية أيديولوجية.
العنف كإطار فلسفي
تفسر بعض القراءات الأكاديمية نهج الإخوان باعتباره نقلاً استعاريًا لمفهوم “الثورة” من العلوم الطبيعية إلى المجال السياسي، حيث يقدم الانقلاب كضرورة حتمية للتغيير الجذري، هذا التبرير يسعى إلى إضفاء شرعية فكرية على العنف، باعتباره وسيلة مشروعة لإعادة صياغة النظام السياسي والاجتماعي.
إلا أن هذه الفلسفة تفتقد إلى أساس عقلاني، وتحول العنف إلى غاية في ذاته لا إلى وسيلة للتغيير الإيجابي.
عند إسقاط نظريات الفكر النقدي الغربي، خاصة مدرسة فرانكفورت وأعمال حنة آرندت، يظهر أن العنف في مشروع الإخوان ليس حلاً، بل تعبيرًا عن فشل السياسة في تقديم بدائل سلمية.
فالممارسات القائمة على القوة لا تؤسس لأي استقرار طويل الأمد، بل تفتح الباب أمام مزيد من الانهيار الاجتماعي والاضطراب السياسي. وبذلك، يكشف زيف الادعاء بأن العنف قد يؤدي إلى بناء مشروع اجتماعي أو سياسي مستدام.
جيل الصحوة.. إعادة تدوير الفوضى
من أبرز مظاهر “عقيدة الفوضى” لدى الإخوان هو الاستثمار في ما يسمى بـ”جيل الصحوة”، الذي استورد من بيئات إقليمية متعددة، هذا الجيل أعيدت تعبئته بأدوات جديدة، منها الخلايا النائمة التي تعمل في صمت وتُدار عبر شبكات عابرة للحدود.
هدف هذه الخلايا ليس سوى تغذية الفوضى، عبر استغلال الانشغال الشعبي بأزمات اقتصادية أو سياسية، وتقديم العنف بوصفه “شرعية بديلة”.
وتكشف المحاولات الانقلابية المتكررة، من اليمن ومصر إلى تونس، أن مشروع الإخوان لم يكن يومًا مشروعًا إصلاحيًا أو سياسيًا طبيعيًا، بل خطة ممنهجة تقوم على استغلال الفراغات والفوضى لفرض هيمنة أيديولوجية.
ومع كل تجربة فاشلة، يتضح أن العنف والانقسام والإقصاء هي الثوابت الوحيدة في عقيدة هذه الجماعة.