منذ سقوط مشروعها السياسي في مصر وعدة دول عربية، تعيش جماعة الإخوان الإرهابية واحدة من أعمق أزماتها الوجودية، حيث لم يعد الصراع محصورًا بينها وبين خصومها، بل انتقل إلى داخل صفوفها.
التنظيم الذي طالما قدّم نفسه على أنه “جماعة واحدة”، بات اليوم غارقًا في انقسامات داخلية حادة تهدد بقاءه، وتكشف أن ما يجمعه أقل بكثير مما يفرقه.
إرث الفشل السياسي
أثبتت السنوات الماضية، أن الجماعة عاجزة عن التكيّف مع المتغيرات، وأنها لم تتعلم من سقوطها المدوي في الحكم، فبدلًا من مراجعة مشروعها، استمرت في اعتماد خطاب متشدد وشبكات سرية تعتمد على المال الخارجي والتحالف مع قوى متطرفة.
هذا الإرث الثقيل جعلها موضع ريبة حتى بين مؤيديها السابقين، الذين اكتشفوا أن التنظيم لا يحمل مشروعًا وطنيًا أو رؤية حقيقية، بل مجرد أداة سياسية تبحث عن السلطة بأي ثمن.
حماس.. الامتداد المأزوم
وتعد حركة حماس في غزة الامتداد الأبرز للجماعة، لكنها لم تعد بمنأى عن الأزمة نفسها، فمع تعاظم الكارثة الإنسانية في القطاع، واتهامات الفلسطينيين لها بالتسبب في جر الويلات على المدنيين، تواجه الحركة تآكلاً متزايدًا في شعبيتها.
وباتت صورتها مرتبطة أكثر بالتحالفات المشبوهة وبالمغامرات العسكرية التي تخدم أهدافًا أوسع من القضية الفلسطينية، لتصبح نموذجًا حيًا على مأزق الإخوان الممتد عبر المنطقة.
أزمة ثقة مع الحلفاء
على المستوى الإقليمي والدولي، تفقد الجماعة تدريجيًا ثقة رعاتها الذين كانوا يوفرون لها التمويل والدعم السياسي، فمع صعود مشاريع السلام الإقليمي وتراجع شهية القوى الدولية لتوظيف جماعات متطرفة كأدوات نفوذ، أصبحت أوراق الإخوان باهتة وغير مجدية، هذه الخسارة ضربت قلب التنظيم الذي اعتاد على العمل بالوكالة، وحرمته من أهم مصادر قوته ونفوذه.
انقسام تنظيمي وصراع قيادات
الانقسامات داخل الجماعة لم تعد مجرد اختلافات في الرأي، بل تحولت إلى صراع معلن بين جبهات وقيادات متنافسة، كل منها يدّعي الشرعية والقدرة على تمثيل “التنظيم الأم”.
هذه الانقسامات تعكس عمق الأزمة الفكرية والتنظيمية، وتجعل من الصعب تصور عودة الإخوان كقوة موحدة. بل إن المشهد الحالي يوحي بانهيار تدريجي قد ينتهي بتفكك التنظيم إلى كيانات صغيرة متناحرة.
من أداة استعمارية إلى ورقة محروقة
منذ نشأتها، ارتبطت الجماعة بدور وظيفي يخدم قوى خارجية، بدءًا من الاستعمار البريطاني وصولًا إلى تحالفات مع قوى إقليمية ودولية معاصرة.
لكن التحولات الأخيرة أظهرت أن تلك الأدوار وصلت إلى نهايتها، وأن الإخوان فقدوا صلاحيتهم كأداة في الصراعات الجيوسياسية، هذا التحول جعلهم ورقة محروقة حتى لدى الداعمين التقليديين، الذين يفضلون اليوم أدوات أكثر براغماتية وأقل تكلفة.
تواجه جماعة الإخوان اليوم أزمة هوية ووجود في آن واحد: فهي منبوذة شعبيًا، منقسمة تنظيميًا، وفاقدة للدعم الإقليمي والدولي، ومع تصاعد الضغوط الداخلية والخارجية، يبدو مستقبلها غامضًا ومفتوحًا على سيناريوهات الانهيار أكثر من أي وقت مضى.